منذ تحرير الكويت في 1991 تم الارتباط بالولايات المتحدة بما يسمى ترتيبات أمنية (Security Arrangements) مدة عشر سنوات، ثم جُدِّدت مدة أخرى. وبما أن تلك الترتيبات الأمنية قد اقتربت من نهاية دورتها الثانية فإنّ من المهم فتح ذلك الملف على مصراعيه، فالملاحظ أن تلك الترتيبات هي ترتيبات سرية بمعنى الكلمة، حتى لو كانت بعض بنودها معروفة، كما يلاحَظ أن مجلس الأمة للأسف لم يتطرق إلى ذلك الأمر بأي صورة من الصور. وكنت قد نبهت إلى ذلك الأمر في دراسة ألقيتها في محاضرة بجامعة الكويت، ونقلتها أغلب الصحف اليومية في شهر ديسمبر الماضي، إلا أنه لا يبدو أن تقنين الوجود العسكري الأجنبي في البلاد يثير اهتمام نوابنا الأفاضل.

Ad

من المفترض أن يتم نقل الصيغة التعاقدية التي تنظم الوجود العسكري الأميركي في البلاد، الذي يفوق عدده تعداد الجيش الكويتي، إلى صيغة أكثر شفافيةً ووضوحاً لكي تصبح اتفاقية بدلاً من مجرد «ترتيبات»، أو ما تم التعارف عليه بمصطلح «اتفاقية حالة القوات» الشهيرة اختصاراً بـ«صوفا» أي (Status of Forces Agreement)، إذ إن لدى الولايات المتحدة أكثر من مئة اتفاقية مشابهة في أنحاء العالم، وهي مسألة تتجاوز في ضرورتها الكثير من المسائل الأخرى، كما أن طرحها ليس من قبيل المناكفة، ولكن من الضرورات الأمنية والوطنية والدستورية، فمن غير المقبول الاستمرار على الوضع القائم تحت أي مبرر.

فاتفاقية «صوفا» ذات أبعاد متنوعة، لكنها في المحصلة تخدم غرضاً أساسياً محدداً هو طبيعة الوجود العسكري الأميركي في بلد أجنبي. أساس هذه الاتفاقية وهدفها هو تنظيم الولاية القانونية في بلد أجنبي على الوجود العسكري، وقد أبرمت الولايات المتحدة عدداً من اتفاقيات «صوفا» لتصبح الولاية القانونية على عسكرييها مطلقة لها، لكن الغالب أن تكون الولاية القانونية مشتركة بين البلد المضيف والحكومة الأميركية. ولتبسيط المسألة، ماذا لو ارتكب جندي أميركي جريمة عندنا؟ كيف سيحاكَم؟ ومن سيحاكمه؟ وتحت أي قانون؟

وقد كان لافتاً أن اتفاقية «صوفا» التي أبرمها العراق مع أميركا أخيراً قد شكلت نقلة نوعية في بنود الاتفاقيات المماثلة، إذ تضمنت تعهدات أميركية ذات طابع سياسي، كالتعهد بمساعدة العراق ليخرج من الفصل السابع على سبيل المثال، بل إن اتفاقية صوفا الأميركية - العراقية شهدت نقاشاً وجدلاً واسعاً في الأوساط السياسية في البلدين، وكان مفيداً جداً للمفاوض العراقي أنها نوقشت في البرلمان وعلى نطاق علني واسع.

ومن خلال قراءة متعمقة في تاريخ ومحتوى وتطور اتفاقيات «صوفا» في العالم، فإنه لم يعد هناك مفر بالنسبة إلى الكويت من فتح ذاك الملف المغلق، الذي يبدو أنه يسير بالدفع الذاتي دون مراجعة تتميز بالشفافية، ولن يكون ذلك الأمر إلا من خلال تحرك برلماني يتم فيه تحديد البنود المطلوبة مراجعتها، والالتزامات المطلوبة من الطرفين. وبالتأكيد فإن مراجعةً من هذا النوع ستخدم الاحتياجات الأمنية للكويت، والعلاقة بالولايات المتحدة، كما أنها ستنعكس إيجاباً على طبيعة ونمط واستقرار العلاقات العراقية - الكويتية، لأنهما طرفان جاران مرتبطان باتفاقية ذات معالم متشابهة مع ذات القوة العظمى. ربما يكون إبرام تلك الاتفاقية هو أحد أهم المداخل للتعامل مع حالة القلق وعدم التوازن السائدة في المنطقة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء