لماذا مازلنا نناقش ما إذا كانت الكويت دولة إسلامية أم دولة مدنية؟ لماذا «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» مازال في عقل البعض دوراً سياسياً أهم من الدستور والقوانين والأعراف؟ لماذا مازال البعض يعطي نفسه الحق في سن حدود الحرية الشخصية ويفرض وصايته على العاقل البالغ الذي يفوقه علماً وثقافةً وذكاءً؟

Ad

جذور الإشكالية متعددة الجوانب. فمن ناحية المادة الثانية من الدستور وتفسيرها حسب المذكرة التفسيرية يبقي الباب موارباً للإسلاميين ليطلوا علينا بلحاهم متى ما شاؤوا. ولكن ذلك هو الحال منذ 1962، تحت نفس الدستور كانت دولة الستينيات والسبعينيات مدنية ينافس فيها مستوى الحريات بعض الدول التي نعمت بالديمقراطية قبلنا بعشرات السنين.

الجانب الآخر والمهم هو دور الحكومة المتواطئ أحيانا والمتفرج دوماً على انتهاك روح ومقومات الدولة التي حلم بها عبدالله السالم رحمه الله، ففي نهاية السبعينيات كان الاتفاق العلني مع الإسلاميين لضرب «الوطنيين» وأدت الحكومة التزاماتها كاملة ووافية على حساب هوية الدولة وحقوق مواطنيها. أما الآن وقد شعرت بخطورة الاتفاق، فإنها تقف عاجزة عن اتخاذ أي دور إيجابي لاسترجاع هيبة القانون وإحياء روح الدستور، وهذا الموقف السلبي أسوأ- في رأيي- من تواطئها مع الإسلاميين لما ينم عن جبن وعجز تامين.

الجانب الأهم هو البرلمانات المتعاقبة منذ حل 86 ليومنا هذا، والكم الهائل من القوانين غير الدستورية التي تم تشريعها والموافقة عليها على حساب حرياتنا الشخصية والعامة، منها على سبيل المثال لا الحصر: قانون المطبوعات، والمرئي والمسموع، والجنسية، والجامعات الخاصة، والأحوال الشخصية، ومنع الاختلاط، وقانون العمل، وقانون الانتخاب الذي صوّت ضده الإسلاميون خوفا من «ضرر المرأة على الأخلاق والمجتمع»، ولكن صوَّت لمصلحته الحكوميون والوطنيون وغيرهم دون انتباه أو اهتمام لعدم دستوريته.

ورغم اعتراف الكثيرين بعدم دستورية هذه القوانين، فإن الكل يتذمر دون أي تحرك سياسي مفيد، فلا أحد طعن بدستورية هذه القوانين ولا أحد حاول جدياً تغيير قانون المحكمة الدستورية ليسمح لنا- عامة الشعب- أن ندافع عن حقوقنا وحرياتنا. بل كانت ومازالت قضايا الحريات أول ما يتم التنازل عنها في المساومات السياسية، ولعل آخر مثال هو تصويت الدويسان وجوهر بالموافقة على الاقتراحات التي تقدم بها فارس «الدخيلة»!

إذن هنالك تواطؤ سياسي حكومي برلماني للتضحية بالحريات، يقابله تشتت وضعف الحراك المدني الشعبي الذي لا يخرج عن إطار ردود الأفعال والتنفيس عن الإحباط، ويبقى الدستور يتيماً لا يجد مَن يحميه ولا مَن يدافع عنه.

فللحكومة والبرلمان نقول «زرع زرعتوه...»، وللشعب النايم «مثلما كنتم يولى عليكم»، وللإسلاميين استمتعوا بآخر عهدكم «فالنملة لي ريشت...»، فدستورنا نتاج مخاض عسير وولادة صعبة لا يمكننا أن نتنازل عنه أو ننساه بهذه السهولة، وحتمية التاريخ التوجه إلى الأمام لا إلى الخلف!