في لقاء عابر مع الأستاذ «محمد الحزمي»، أحد مسؤولي وزارة التربية، قال لي في ما يشبه أسفاً:

Ad

«نحن في حاجة إلى القدوة».

وعمّ التأثر نبرة صوته، وهو يقول:

«كنا في الستينيات وحتى السبعينيات، ننظر إلى القدوة من الكتّاب والأدباء والسياسيين والمثقفين والأساتذة المربين، ونحاول التشبه بهم، وتقليدهم من خلال أعمالهم الأدبية، وقراءاتهم، وأبحاثهم، وأطروحاتهم، ومسلكهم الإنساني النبيل. وكان الإنسان القدوة يحظى بمكانة خاصة من التقدير والاحترام والتبجيل في المجتمع».

كنتُ مصغياً أتابع حديثه باهتمام، فأضاف:

«حين يخلو المجتمع من القدوة في مختلف نواحي الحياة، يخلو من شيء بالغ الأهمية، فوجود قدوة صالحة للإنسان، يدفعه الى التشبه به، والسلوك مسلكه، ومن ثم محاولة الوصول إلى مكانة مهمة، كالمكانة التي بلغها الإنسان القدوة».

نعم، إن نجوم المجتمع في مختلف الميادين، وبسبب من تسليط أضواء الإعلام اليومي عليهم، هم أكثر ما يلفت نظر الناشئة والشبيبة، وبقدر نبالة وثقافة ووعي أولئك النجوم، بقدر إقدام الشبيبة على تقليدهم، في مسلكهم وملبسهم وأسلوب حياتهم، وحتى المفردات التي ينطقون بها. وكم يبدو الأمر مخيفاً حين تصبح القدوة سيئة، وحين تصبح أحلام الناشئة والشباب مرتبطة بالابتعاد عن الثقافة والأدب والاحترام، ومرتبطة بنجوم الفن والرياضة، وربما الهابط منها!

إن اهتماماً وتقديراً حقيقيين بنجوم الثقافة والأدب والسياسة والعمل الإنساني المجتمعي، وجعلهم مادة إعلامية وصحافية يومية، تشكل زاداً متاحاً أمام الجميع، قد يدفع الناشئة والشباب إلى إدارك أهميتهم، والتأثر بهم وتقليدهم. وهذا قد يكون دافعاً للولوج إلى عالم القراءة والكتاب والبحث والثقافة والعمل التطوعي في مؤسسات المجتمع المدني. وهذا بدوره يُبشر بميلاد جيل من الشباب، متسلح بالثقافة والوعي والمسلك الإنساني النبيل.

لقد عاشت الكويت منذ منتصف الخمسينيات وحتى منتصف السبعينيات نهوضاً اجتماعياً وسياسياً وثقافياً وفنياً كبيراً وملحوظاً، انعكس على مختلف نواحي الحياة، وانتقل بالكويت من مجتمع بسيط، إلى دولة عصرية حديثة. وإذا كان ذلك المجتمع البسيط قادراً على خلق نماذج إنسانية كبيرة، في مختلف نوحي الحياة، شكلت قدوة حسنة لشباب المجتمع الكويتي في حينه، فإننا نعيش اليوم في عالم متسارع النبض والتغير، منفتح بعضه على بعض، بما يجعل من الانصهار في بوتقته أمراً ملحاً لا مفر منه، لكن دون التخلي عن الخصوصية التي ينتمي إليها كل مجتمع.

إن انفتاحاً عالمياً من خلال مواقع شبكة الإنترنت، ومحركات البحث، والقنوات الفضائية، يحتم على الأسرة والمدرسة ومختلف مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، تسليط مزيد من الضوء والاهتمام على القدوة الحسنة، وتحبيب الناشئة والشباب بها، فربما وحدها القدوة الحسنة، قادرة على ترك بصمتها في وعي الناشئة، ومن ثم تحريكهم نحو الأفضل.