الحملة على المرأة في أعيادها

نشر في 21-03-2010 | 00:01
آخر تحديث 21-03-2010 | 00:01
اليوم نحتفي جميعاً بالمرأة في أفضل أدوارها، لكننا أيضاً ننتهك استقلاليتها، ونحط من كرامتها، ونريد سحبها إلى الوراء مئات السنين؛ تارة بدعوى أنها "موضوع للجنس والإغراء حتى في أقدس أماكن العبادة"، وتارة أخرى لأنها "كائن ضعيف وعاجز يحتاج إلى الحماية والعزل عن المخاطر".
 ياسر عبد العزيز إنه إذن شهر المرأة؛ فلم نكد ننهي احتفالاتنا بيومها العالمي، حتى طلّ علينا "عيد الأم"، حيث اليوم الذي نحتفل فيه جميعاً بأمجد أعيادها، وأفضل أدوارها، وأكثرها نبلاً وطهارة وإشراقاً على الإطلاق، لكن هذه الاحتفالات تحل علينا، في مصر والعالم العربي، فيما المرأة نفسها تشهد هجمة رجعية مأفونة، وتتربص بها، وبنا جميعاً، حملة خرقاء تريد إرجاعنا قروناً إلى الوراء.

لم يكن أحد قادراً على تصديق أن داعية سعودياً وأستاذاً جامعياً سابقاً هو الدكتور يوسف الأحمد، يدعو إلى "هدم الكعبة، وإعادة بنائها، بشكل يمنع الاختلاط بين الرجال والنساء عند الطواف"، لكن الرجل عاد وأكد ما ذهب إليه قبل أيام قليلة، بل ظهر له أنصار كثيرون يؤيدون اقتراحه، بدعوى "حماية المرأة من الاختلاط وما قد يجلبه من تحرش".

لاتزال السعودية تشهد مواجهة عنيفة بين قوى رجعية متزمتة وبعض الخلايا الحية التي تجاهد لتعزيز مكانة المرأة ودمجها في المجال العام، بوصفها "نوعاً اجتماعياً" ومواطناً كامل المواطنة يمكنه البرهنة على الكفاءة والمقدرة، وليست مجرد "موضوع للإغراء" أو كائن عاجز ضعيف.

قبل نحو أسبوع، كان وزير الإعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز خوجة يعلن أنه "لا مانع في أن تتولى امرأة وظيفة رئيس تحرير في إحدى المؤسسات الصحافية"، اتساقاً مع التقدم الذي أحرزته الصحافيات والكاتبات في الواقع الإعلامي بالبلاد، وانسجاماً مع التوجهات الحكومية الرامية إلى تعزيز مكانة المرأة والاستفادة من طاقاتها في عملية التنمية على النحو الأمثل، لكن رئيس هيئة الصحافيين السعوديين ورئيس تحرير صحيفة "الرياض" المرموقة الأستاذ تركي السديري، علّق لاحقاً على هذا التوجه بقوله: "من الصعب أن تتولى المرأة رئاسة تحرير صحيفة في الوقت الحاضر".

الأمر ذاته تكرر، حين افتتح العاهل السعودي "جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية"، في سبتمبر الماضي، لتصبح أول جامعة في البلاد تختص بالدراسات العليا في المجالات النوعية، وتحمل توجهاً ذا طابع عالمي، وتسمح بوجود الطلاب إلى جانب الطالبات في فصول الدراسة العليا. فمنذ أنشئت الجامعة والهجمات عليها لا تتوقف، بدعوى أن "الاختلاط ليس من الإسلام، وأنه يجلب الانحراف والمعصية"، وذهب الأمر إلى صدور فتاوى بـ"قتل كل من يسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العمل والتعليم بالبلاد".

الكويت أيضاً تشهد ممارسات مشابهة، فالمجال السياسي في هذا البلد، الذي يحظى بحياة نيابية نشطة، ينتظر اندلاع معركة برلمانية جديدة يسعى فيها بعض النواب إلى الضغط على الحكومة من أجل اتخاذ قرارات تلزم السيدات اللاتي يشغلن مواقع وزارية أو مقاعد نيابية بـ "ارتداء الحجاب".

منذ منتصف العام الماضي، يسعى فصيل من البرلمانيين وأعضاء التيارات السلفية المحافظة إلى إجهاض التقدم الذي أحرزته المرأة الكويتية على صعيد المشاركة السياسية، عبر تعيينها وزيرة وانتخابها نائبة بالبرلمان؛ فتارة يتذرع هؤلاء بأنه "لا يجوز شرعاً دخول المرأة مجلس الأمة، باعتباره ولاية عامة"، وتارة أخرى يطالبون النائبات والوزيرات بـ"عدم التنقل بين المقاعد وتبادل الضحكات مع زملائهن من الأعضاء".

ولا تقتصر هجمات تلك الفصائل على المرأة داخل المجال السياسي فقط، لكنها تمتد لمحاصرة الوجود النسوي في التعليم وميادين العمل والرياضة، وكانت آخر معاركها تلك التي شنتها على الحكومة لحملها على "إيقاف النشاط النسائي في كرة القدم"، بذريعة أن المرأة التي تلعب الكرة وترتدي الملابس الرياضية الملائمة لهذه اللعبة ترتكب عملاً "يتعارض مع أحكام الشريعة".

ليت الأمر اقتصر على بعض المجتمعات العربية المعروفة بطبيعتها المحافظة، أو تلك التي تمتلك ترف مقاربة مثل تلك القضايا، لكنه امتد، للأسف الشديد، إلى معظم مجتمعاتنا العربية، بما فيها أكثرها حاجة لحشد الطاقة والجهد والتركيز لتحقيق أهداف وطنية عليا ملحة، أو لتجاوز أزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة. فمنذ فرضت "حماس" سيطرتها على غزة، لم تتوقف عن إصدار قرارات غريبة لا تهدف في مجملها سوى إلى تكريس طابع ديني شكلي لا علاقة له بالجوهر النبيل للإسلام ولا بمقتضيات المصلحة الوطنية. ففي شهر يوليو من العام الماضي، قررت السلطة القضائية التابعة للحركة "إلزام المحاميات بارتداء الحجاب أثناء مثولهن أمام المحاكم النظامية"، قبل أن تحظر، في أكتوبر الفائت، على النساء "ركوب الدراجات البخارية خلف الرجال"، وتقرر قبل أيام "منع الحلاقين من العمل في صالونات الحلاقة النسائية". مصر أيضاً تعاني الأزمة ذاتها؛ وليس أدل على ذلك من توصية الجمعية العمومية الطارئة في "مجلس الدولة" برفض تعيين المرأة قاضية في المجلس، وهي التوصية التي اتخذت بقرار حظي بأغلبية ساحقة، بل ثمة من القضاة "الأجلاء" من راح يبرر تلك التوصية ويدافع عنها لاحقاً، بدعوى أن "ظروف عمل القاضية لا تناسب المرأة وتتعارض مع مسؤولياتها تجاه أولادها وزوجها".

احتفلت المرأة في العالم أجمع بيومها العالمي مطلع هذا الشهر، واليوم نحتفي جميعاً بها في أفضل أدوارها، لكننا أيضاً ننتهك استقلاليتها، ونحط من كرامتها، ونريد سحبها إلى الوراء مئات السنين؛ تارة بدعوى أنها "موضوع للجنس والإغراء حتى في أقدس أماكن العبادة"، وتارة أخرى لأنها "كائن ضعيف وعاجز يحتاج إلى الحماية والعزل عن المخاطر". والواقع أن من يفعل ذلك من الرجال لا يعطي سوى أسوأ الانطباعات عن نفسه وعمن عرفهن من النساء.

* كاتب مصري

back to top