وأخيرا اضطرت الإدارة الأميركية ولو بعد لأي للإذعان «بوجود مراكز قوى أخرى موجودة حاليا في العالم وأخرى قيد الولادة « كما جاء في استرتيجية أوباما الجديدة للأمن القومي حسب الوثيقة الرسمية الطويلة، التي تسرب جزء منها إلى العلن فبات حديث الساعة.

Ad

وكما ورد في الوثيقة المذكورة فإن على الإدارة الأميركية أن تسدل الستار على ما عرف بالحرب الاستباقية أيام عهد بوش البائد, و»أن المطلوب العمل بشكل غير انفرادي ومتكامل مع الآخرين».

صحيح أن الإدارة الأميركية لم تتخل بعد عن خيارات الحرب, لكنها أذعنت، ولأول مرة وهذا مهم، بأن الحرب وحدها لا يمكن أن تنجز المهمات المطلوبة لتحقيق أهداف الأمن القومي الأميركي, الأمر الذي يتطلب «دمجها بالدبلوماسية وتقديم المساعدات للدول الأخرى, لأننا بحاجة إلى شركاء لا بد منهم... من أجل حل المشاكل العالقة».

وكل هذا ينبغي أن يجري حسب وثيقة استراتيجية الأمن القومي الجديدة لأوباما في إطار ما سمته «بنظرة جديدة إلى العالم تكون أكثر شمولا في ظل المتغيرات والتطورات المتلاحقة وضمن تضاريس عالمية متغيرة».

إنها بداية النهاية للمكابرة والعناد الأميركي اللذين ورثتهما إدارة أوباما من إدارة المحافظين الجدد، لكنها مؤشر جدي أيضا ليس فقط على حصول تحول جدي في معادلة الأحادية القطبية, بل كذلك في ما نصر على تسميته بمعادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية!

بمعنى آخر فإن العالم الذي ظل حتى الأمس القريب ممسوكا من قبل الدول العظمى التقليدية، التي تقف أميركا وروسيا في مقدمتها, بات اليوم وباعتراف واشنطن نفسها عالما سريع التحول، وتضاريسه تتغير بشكل متلاحق, لم يعد بالإمكان القفز فوقها أو تجاهلها, لاسيما «أن قوى جديدة هي قيد الولادة» كما ورد حرفيا في نص وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة هذه!

شاءت أميركا أم أبت فإن إيران هي في مقدمة وطليعة هذه القوى التي تنظر إليها واشنطن على أنها قيد الولادة, ولن يمضي وقت طويل حتى تجد أميركا نفسها مظطرة للاعتراف بها، وأن تمد يد التعاون إليها, لاسيما بعد أن باتت إيران محور العديد من التحالفات والتكتلات الإقليمية والعالمية!

ولن ينحصر الأمر في معالجة الملفات الساخنة المعروفة كالعراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين, وبالطبع الموضوع النووي عالميا ولو من باب معالجة ما تصر واشنطن على تسميته بالملف النووي الإيراني, بل الأمر يكاد يتطور بين واشنطن وطهران ليشمل مجمل الصراعات الدولية, والسبب يكمن في الواقع وبنظر العديد من المراقبين والمتابعين إلى تلك المكابرة الأميركية المترافقة مع العناد الذي طالت مدته في تهميش الآخرين حتى تحولوا إلى قوى فاعلة تفرض نفسها اليوم في المعادلة الدولية، كما لو أنها قدر لا مناص منه.

انظروا فقط إلى ذلك الحلف الثلاثي المتين بين طهران ودمشق وأنقرة، والذي يكبر اليوم ليضم إلى داخله فنزويلا وبوليفيا والبرازيل والحبل على الجرار، لتتأكدوا أن ما يجري في العالم هو تضاريس دولية متسارعة التغيير لم يعد بإمكان واشنطن أن تتجاهلها، فضلا عن إنكارها حتى لو تعاونت معها الدول الخمس الكبرى، وفي مقدمتها روسيا والصين!

ثم إذا أضفنا إليها القوى الحية الأخرى التي يتعاظم دورها باستمرار، وهي قوى حركات التحرر اللبنانية والفلسطينية, عندها سينبغي على أميركا أن تفكر كثيرا قبل أن تختم آخر فصل مدون في استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي, خصوصاً بعد أن حافظت على مقولة أن أمن إسرائيل سيظل في صدر أولوياتها!

وهنا تصاب أميركا بعمى الألوان المزمن, الذي لا يمكن أن تشفى منه بسهولة على ما يبدو، وسيظل يلاحق قادتها الاستراتيجيين في عهودهم الجمهورية كما الديمقراطية, وهم يفرطون في الأمن القومي لدافع الضرائب الأميركي لحساب ومصلحة قادة الميليشيات الصهيونية الإرهابية الجاثمين فوق صدر العرب والمسلمين على أرض فلسطيننا الغالية.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني