لن يختلف اثنان على أهمية التنمية البشرية لدول الخليج في المرحلة الحالية، وضرورة التخطيط لاستراتيجيات التدريب والتطوير البشري للمواكبة الدائمة للأحداث الدولية، والحاجة إلى تحفيز القدرة على تنمية المهارات المهنية والعملية ورفع الخبرات، وأيضاً جذب الكفاءات الشبابية للعمل السياسي والدبلوماسي. 

Ad

وقد تطرقت ضمن مقالات سابقة إلى الحاجة إلى تطوير القدرات الدبلوماسية والتفاوضية والإدارية للعاملين في المؤسسات الخليجية المعنية بالحوار الاقتصادي، وتناولنا الجهود الخليجية المبذولة في استمرارية ودعم التعاون الاقتصادي، وبالتالي الحاجة إلى الاهتمام بالتنمية البشرية في دول الخليج لتعزيز أفق الدبلوماسية الاقتصادية أو «دبلوماسية التنمية» Development Diplomacy. 

واليوم أجد على مكتبي مغلفاً أنيقاً، يحمل شعار وزارة الخارجية السعودية، ويحتضن شعاراً لمعهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية، ويحتوي المغلف على باكورة إنتاج عبارة عن سلسلة «الرصد الاستراتيجي»، ويحمل العدد الأول منها عنوان «المواجهة في بحر العرب القراصنة والأساطيل الدولية». تستهل الدراسة بنبذة عن قضية القرصنة في بحر العرب ودور المجتمع الدولي في تشخيص التحدي وإدراك حقيقة الأخطار، وتتناول البعد الدولي للقضية ودور مجلس الأمن بإصدار القرار 1816، الذي يمنح الدول حق إرسال سفن حربية إلى مياه الصومال الإقليمية. 

وتتطرق الدراسة إلى الأساطيل الدولية في بحر العرب كقوات حلف «الناتو»، والقوات الأوروبية، إلى جانب الصينية والماليزية والهندية والكورية واليابانية والتركية التي أشرنا إليها في المقال السابق الخاص بالعلاقات التركية الخليجية. وتسلط الدراسة الأضواء على المقاربة العربية الأميركية في مجال مكافحة القرصنة، ثم الأبعاد القانونية للحرب ضد القرصنة... وأخيراً فالتحديات الناجمة عن تفشي القرصنة في بحر العرب ستصبح سبباً في إمكان حدوث ارتفاع قياسي في رسوم التأمين على البواخر التجارية وارتفاع تكلفة الشحن، وبالتالي عزوف المزيد من القوافل التجارية عن استخدام البحر الأحمر والمدخل الجنوبي. 

فالممرات المائية لها أهمية في تحويل الدول المتشاطئة إلى مراكز تجارية ومالية مرموقة، كما أن قضايا أمن البحار كثيرة وملفات أمن الخليج والممرات المائية في حاجة إلى اهتمام، وذلك بعد مخاوف انهيار الأوضاع السياسية في بعض الدول الإفريقية وسهولة احتجاز السفن الصغيرة والمتوسطة بواسطة مجموعة من القراصنة، فلا شك في أن القرصنة باتت تهدد أحد أهم الطرق البحرية في العالم، في حين تتصاعد المخاوف من الإرهاب الدولي. 

ويعد بحر العرب أحد أهم طرق الملاحة البحرية في العالم، إذ يقدر عدد السفن التي تعبره ما بين 16 و20 ألف سفينة، وحوالي 30 في المئة من الملاحة النفطية العالمية، إلى جانب أهمية المنطقة كونها تجمع الطرق التجارية الموصلة إلى روسيا والدول على البحر الأسود بغرب إفريقيا وشرق وجنوب شرق آسيا إلى جانب الدول المطلة على البحر الأحمر. 

خلاصة الحديث، فإن دور معاهد الدراسات الدبلوماسية مهم وحيوي في المرحلة الحالية، والمعهد السعودي أخذ على عاتقه تنمية القدرات الدبلوماسية عبر مساهمته بالدراسات والأبحاث، إلى جانب برامج تهيئة السفراء والقناصل الموفدين للعمل في الخارج، وعقد حلقات نقاش، وإدارة الندوات والمؤتمرات، وتوفير الأرضية العلمية المشتركة لذوي العلاقة بالشؤون الدولية في القطاعين الخاص والعام للتعرف على اتجاهات وتجارب الآخرين، وبحث القضايا ذات الصلة بالقضايا الدبلوماسية والدولية والسياسية. 

والمعاهد الدبلوماسية الخليجية سواء كانت في المملكة العربية السعودية أو البحرين أو الكويت أو سلطنة عمان، وفي الدول العربية الأخرى في مصر والجزائر وسورية واليمن والسودان، جميعها لديها الكثير لتسهم به في تنمية وتطوير القدرات البشرية. 

وفي النهاية أشكر مدير عام المعهد الدكتور سعد بن عبدالرحمن العمار على الإصدار الشيق واهتمامه وحرصه على تفعيل الدبلوماسية العامة، وإشراكنا كباحثين خليجيين مهتمين بالتاريخ الدبلوماسي بمتابعة أنشطة المعهد.