مساء الأربعاء الماضي، وفي تمام الساعة السابعة (الثامنة بتوقيت دبي)، أرسلت «مسج» لمجموعة من معارفي أنصحهم بمشاهدة قنوات دبي لمتابعة انطلاق مترو دبي لكونه حدثاً تنموياً تاريخياً يستحق المشاهدة والافتخار، وما هي لحظات إلا وأخذت الردود تصيح في «موبايلي»، وكلها على شاكلة: «وا حر قلباه»، و»يا للحسرة»، و»حسافة يا كويت»، وغيرها من الإبداعات الكويتية للتعبير عن التحسر والتألم على ما آلت إليه حال «الديرة»!
لا أعتقد أن هناك مَن يختلف معي الآن في أن حالة الإحباط والتشاؤم التي تضرب المجتمع قد وصلت إلى أعلى مستوياتها، وأننا لو أردنا استخدام مفردات منظمة الصحة العالمية المنتشرة هذه الأيام، لقلنا إن الكويت قد صارت على رأس الدول الموبوءة بالإحباط، ويكفي الواحد أن يكون جالساً مع مجموعة من «الكويتيين» فيطلق آهة حسرة على حال «الديرة» في أي مجال يختاره، ليجدها وقد استولت على مجرى الحديث، وتبعتها عشرات الآهات!هذه الحالة التي يعانيها الشعب الكويتي، لم تعد تستثني أحداً، فما عادت حكراً على فئة بعينها، بل تكاد تكون قد أصابت الجميع؛ الساسة والإعلاميين والمثقفين والفنانين والموظفين والبسطاء من عموم الناس، كباراً وصغاراً، وأما القلة القليلة الباقية التي لم يبلغها الوباء، ولاتزال متمسكة بأهداب التفاؤل، فإنها في الحقيقة لا تقيم تفاؤلها هذا على أي أساس موضوعي، لأن كل ما نراه من حولنا يشير إلى العكس!ولست هنا، بالطبع، أدافع عن حالة الإحباط والتشاؤم المجتمعية الضاربة، أو أحاول أن أجد العذر للناس ليرتعوا فيما هم فيه، بل حسبي أني أصف الواقع بلا «ماكياج» يداري عيوبه ويخفي بثور وجهه وبشاعة حقيقته، رغبة مني في الوصول إلى شيء أراه أكثر أهمية، وهو أن هذه الحالة أدت بالتبعية إلى نشوء حالة أخطر، آخذة في الانتشار بين الناس تماماً كما انتشرت الحالة التي سببتها خلال فترة قصيرة، ألا وهي حالة انعدام الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن في مختلف مناحيه.لا يمكن أن يعالج الإحباط المنتشر عبر الرسائل الإيجابية المجردة، فلا يمكن مثلا أن نطلق حملة إعلامية، لنقول للناس ابتسموا وتفاءلوا بالخير تجدوه وسيكون القادم أجمل، وهم يرون كل ما حولهم من علامات وأمارات للضعف الحكومي والتنفيع والهدر والتدهور والفشل، تشير إلى العكس، حينها سيكون شكلنا «بايخ» جداً!لا علاج لحالة الإحباط إلا من خلال ظهور عمل حقيقي وإنجازات تقنع الناس بأن القادم أجمل فعلا، وأن هناك ما يبعث على التفاؤل، وأما الرسائل الإنشائية فليس لها من جدوى هنا.لكن حالة انعدام الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن، هي الحالة التي يمكن التصدي لها إعلامياً ومجتمعياً من خلال قنواته المختلفة، لأنه، وإن كان كل ما حولنا يبعث على الإحباط، من غير المعقول أو المقبول أن يتحول إحباطنا هذا ونقمتنا على أداء حكومتنا وبرلماننا، إلى نقمة مستترة على وطننا عبر كسرنا للقوانين وتجاهلها، واستخفافنا بالنظم واللوائح، وانعدام التزامنا بساعات العمل والإنتاجية، وشيوع الواسطة فيما بيننا والتجاوزات، وإلى انتشار أفكار «من صادها عشى عياله»، و»كن ذئبا وإلا أكلتك الذئاب»، على أنها السبيل الوحيد للبقاء والنجاة في هذا الواقع الذي تحول إلى ما يشبه الغابة التي يأكل سكانها بعضهم بعضاً!لا يبدو لي أن حملة «أقسم» التي ظهرت من فترة لتعزيز الولاء والروح الوطنية قد نجحت في الوصول إلى شيء من أهدافها السامية، فالواقع لايزال في انحدار وللأسف، لذلك فنحن إلى المزيد من التكثيف الإعلامي والجهد المجتمعي لمواجهة ما يحصل من تدمير مستمر للوطن على يد أبنائه، وهم لا يشعرون، من خلال تصرفاتهم اللامسؤولة وتجاوزاتهم.يجب ألا نستخف بالتأثير الجمعي الكبير لأدوارنا وتصرفاتنا الفردية في مقار عملنا وفي الشارع والأماكن العامة، لذا فنحن بحاجة إلى حملة كبرى، بل حملات، إعلامية ومجتمعية، يشارك فيها الجميع من مثقفين ومفكرين وإعلاميين وسياسيين، وأعني هنا الواعين منهم لا الغوغائيين، ورجال دين، وأعني هنا الوطنيين المصلحين لا الطائفيين قصار النظرة، لبث الحماسة الوطنية في نفوس الناس من جديد، والتنبيه على مواطن الخلل، والتحذير من كيف يكون الفرد مشاركاً في تدمير وطنه من حيث لا يشعر، عبر كسر القوانين وعدم الالتزام بالعمل وسوء الأخلاق والتصرفات المجتمعية، وغيرها! فهل سنرى شيئاً من هذا قبل أن نجلس نتحسر على الأطلال؟!
مقالات
دعوة لانقاذ الوطن... قبل أن نجلس على الاطلال
13-09-2009