ما بين السعودية والإمارات

نشر في 23-08-2009 | 00:00
آخر تحديث 23-08-2009 | 00:00
 ياسر عبد العزيز لا تعدم السعودية نقاداً يكيلون لها الاتهامات ليلاً ونهاراً منذ نشأت دولة قوية ومملكة راسخة في هذا الجزء من العالم، خصوصاً أنها انخرطت في الكثير من الصراعات والمواجهات، حيث أصابت وأخطأت بقدر كتلتها الحيوية ومسؤولياتها الروحية واستحقاقات دورها، لكن أحداً لن يستطيع بسهولة اتهامها بميلها المتسرع إلى الصدام أو إخراج خلافاتها إلى العلن، خصوصاً إذا كانت في محيطها القومي والجغرافي.

أما الإمارات، فقد جلب عليها طلوعها المفاجئ وتقدمها المطرد واجتراحها الآسر للإنجازات الكثير من التصيد والتربص، وانتهز كثيرون هشاشة بنيتها السكانية وأعباء صيانة نظامها السياسي الاتحادي في محاولات لهز تماسكها وعرقلة نبوغها الإقليمي والعالمي، لكن أحداً لم يكن قادراً على التشكيك بحسها القومي وميلها الدائم إلى الاتحاد والعمل الجماعي مع شقيقاتها الخليجيات والعربيات.

اليوم يبدو أن الدولتين تخوضان في خلاف يبتعد بكلتيهما عن تلك المناقب.

فرغم أن العلاقات بين البلدين بدأت شديدة التوتر على خلفية ارتياب الرياض في مقاصد الاتحاد الذي عمل الشيخ زايد (رحمه الله) على بنائه، وبعض الإشكالات الحدودية الثنائية، فإن تلك العلاقات ما لبثت أن مضت إلى التحسن والتطور.

وحينما دعت الإمارات إلى تشكيل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن السعودية رحبت كثيراً بالدعوة ودعمتها بكل قوة ممكنة، وقد أثبت المجلس أنه كان مصلحة وضرورة لكل الدول المنضوية تحت لوائه، سواء حين اشتعلت المنطقة أثناء الحرب العراقية- الإيرانية، أو عندما تزعزع أمن الدول الست إثر غزو العراق للكويت.

ولم تكن مسيرة المجلس سلسلة من الإنجازات العظيمة والتقدم المتواصل بطبيعة الحال، لكنها أيضاً سجلت الكثير من النجاحات، وانعكست مصالح وعوائد ملموسة على الدول الأعضاء. وكان الأمل كبيراً في أن يسهم الاتحاد النقدي بين دول المجلس في دفع عجلة التكامل الخليجي، وتعلقت الآمال بإطلاق الوحدة النقدية الخليجية الموحدة، لكن تلك الوحدة تعرضت لشك كبير في إمكان إطلاقها حين أعلنت الإمارات انسحابها منها.

طلبت الإمارات أن تستضيف مقر البنك المركزي الخليجي في أراضيها، وساقت لذلك أسباباً موضوعية عديدة، لكن السعودية آثرت أن تحتفظ بالمقر لديها، مستندة إلى أسباب موضوعية أخرى، وكانت النتيجة تعثر إطلاق الوحدة النقدية وتزعزع اليقين في إمكان صدورها.

لم يكن الجدل بين السعودية والإمارات يدور على استضافة مقر بنك، لكنه كان يحتدم على مصالح مالية واقتصادية وأدوار إقليمية، بين أكبر اقتصادين عربيين وخليجيين، وبين شقيقة كبرى تجد نفسها عمقاً وملاذاً وحادياً للشقيقات الأصغر، وشقيقة أصغر تجد نفسها وقد برهنت على كل نبوغ وسداد ممكن، وتبحث لذاتها عن دور يليق بالتطور الذي حققته بالجرأة والطموح الشديدين.

في الأسبوع الماضي، تلقت العلاقات السعودية- الإماراتية ضربة مؤثرة، فقد أوقفت الرياض العمل باتفاقية، تم إبرامها في مايو من عام 2007، تتيح لمواطني الإمارات الدخول إلى المملكة ببطاقة الهوية الوطنية، شاكية من أن تلك البطاقة تحوي خريطة لا تتفق مع اتفاقية تعيين الحدود التي تم إبرامها بين البلدين عام 1974.

اتفاقية عام 1974 تنص على أوضاع حدودية تتصل بالسيادة الترابية والتواصل الإقليمي وموارد بترولية وغازية في مناطق حيوية، وقد أعلنت الإمارات في عام 2005 أن أجزاءً من تلك الاتفاقية باتت غير صالحة للتنفيذ، وسعت إلى التفاوض حولها من جديد في ضوء التغيرات التي طرأت على الأوضاع الإقليمية والقوة التفاوضية للطرفين.

بالطبع لم تستجب السعودية للموقف الإماراتي الجديد، وأعلنت تمسكها بالاتفاقية المبرمة، ومن جهتها كانت القيادة الجديدة في الإمارات غير قادرة على تقبل ما تنطوي عليه الاتفاقية من ترتيبات اعتبرتها مجحفة؛ إذ قيَّمتها في ظرف جيوستراتيجي مختلف عن ذلك الذي أبرمت خلاله.

ويبدو أن أوساطاً في النخبتين السعودية والإماراتية تحض على التشدد في إدارة الخلاف بين البلدين، ويظهر كذلك أن أوساطاً أخرى تعتقد بأهمية حسم الأمر ودياً وبعيداً عن الأفعال الحادة والخطوات الصدامية.

ففيما كانت الرياض تعلن خطوة منع التنقل ببطاقة الهوية الوطنية بين الدولتين، كان رئيس الإمارات يتصل بالعاهل السعودي مهنئاً بحلول شهر رمضان، وقبلها بثلاثة أيام كان ولي العهد السعودي يستقبل الشيخ محمد بن راشد والشيخ منصور بن زايد في أغادير.

العلاقات السعودية- الإماراتية بدأت توغل في مسار سلبي، حيث يتبادل الطرفان السياسات الحادة والمعوقة، لكن الأمل يبقى معلقاً على خيط الود الماثل في تلك العلاقات، والمعول على الحكمة والرشد في مقاربة الاختلافات، بين دولة كبيرة تستحق أن تحظى مصالحها بالحماية، ودولة ناهضة يجب أن تحتل مكانة لائقة وتتمتع بالاحترام الواجب.

* كاتب مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top