ديمقراطية الانتخابات في العراق والرجل الحاضر الغائب فيها
حال من الترقب تسود الشارع العراقي انتظاراً لصدور نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من الشهر الجاري، والتي يعول عليها في تغيير بعض الوجوه السياسية من خلال عملية تدوير للسلطة. وقد أظهر الشارع العراقي امتعاضه من الأحزاب الدينية سواء كانت شيعية أو سنية، وبالتالي صوّت للاعتدال المتمثل بائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، وكذلك صوت لليبرالية والعلمانية المتمثلة بالقائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي، وتراجعت الأحزاب الدينية الى المرتبة الثالثة والرابعة.وبغض النظر عمّا ستؤول إليه الأمور فيما بعد فإن كلمة حق يجب أن تقال، وهي أن الشعب العراقي رغم تجربته الحديثة بالثقافة الانتخابية فإنه برهن خلال سبع سنوات فقط على أنه مدرك وواعٍ لما يدور على ساحة بلده، وخير دليل على ذلك هذا التقاطر والإقبال من المواطنين، الذين جاءوا من مناطق بعيدة في القرى والأرياف وحتى المدن سيرا على الأقدام لممارسة حقهم الدستوري في التصويت وانتخاب من يرونه مناسبا لتمثيلهم تحت قبة البرلمان.
وأشاد العالم المتحضر والمتقدم بأسره بالتجربة العراقية وبشجاعة الشعب العراقي الذي جبل على الشجاعة وعدم الخوف من الموت رغم القصف المدفعي ورغم قذائف الهاون التي سقطت في بغداد وفي محافظات أخرى كي تحد من ذلك الزحف الوطني العراقي، ولذلك نجد العالم يرفع القبعة احتراما وتقديرا لهذا الشعب، وفي المقابل نرى أن الوطن العربي لم ينبس ولو بكلمة واحدة تجاه هذه التجربة الحية والحقيقية المتجسدة على أرض الرافدين، باستثناء دولة الكويت من خلال تصريح وزير خارجيتها الشيخ محمد الصباح الذي علق قائلا:"إن النتائج الأولية للانتخابات العراقية نقطة مهمة في المسار السياسي العراقي"، معربا عن أمله في أن "تشكل نتائج الانتخابات العراقية حكومة قادرة على صيانة وحدة الشعب العراقي ووحدة أراضيه".ولكي نبرهن أكثر على ديمقراطية الحدث في العراق سنذكر ما أقر به بعض المرشحين من هزيمة بروح رياضية عالية جدا، ففي محافظة الأنبار، أقر أحد الشخصيات القبلية البارزة، وهو الشيخ أحمد أبوريشة، بأن الائتلاف الذي كان قد انضمّ إليه وهو ائتلاف وحدة العراق بقيادة وزير الداخلية جواد البولاني يتخلف عن الائتلاف الذي يقوده علاوي. وقال أبوريشة، إن الائتلاف الذي يقوده علاوي، وهو القائمة العراقية، "حصل على ما أراد"، متعهدا بالعمل مع كتلته "لصالح العراق ووحدته".كذلك في محافظة النجف الجنوبية قال قاسم داود المرشح عن الائتلاف الوطني العراقي، إنه علم في ثاني يوم بعد الانتخابات من المراقبين في ائتلافه أنه فشل في الفوز بمقعد واحد في النجف.وأضاف داود: "علينا مواجهة الواقع الذي يقول إن هذا هو رأي الشعب، لقد اختار المجتمع، ويجب علينا احترام هذا القرار".لكن ومع نشوة النصر والفوز بهذه الديمقراطية الحديثة على بلاد الرافدين، كنا نتوقع من الكتاب والمراقبين والمحللين السياسيين العراقيين أن يتقدموا ولو بكلمة شكر بسيطة لرجل تحدى العالم وتحدى خصومه وتحدى الجميع من أجل أن يعيش العراق هذه الفسحة من الديمقراطية، وهذا الرجل هو الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، الذي زرع البذرة الخيرة وعلى العراقيين أن يرعوها ويحموها من أعدائها في الداخل والخارج، ولكن هذه هي طبيعة النفس البشرية تنسى أو تتناسى من وقف معها وساعدها وساندها كي تتخلص من عصر مظلم مقيت. فتحية تقدير وإكبار لذلك الرجل، ومهما اختلفنا معه فإننا يجب ألا ننسى ما قدمه للعراق وللعراقيين.