ناصحاً الحكومة أقول: قدمي استقالتك، وسلّمي عهدتك، واحزمي حقائبك، وودعي جيرانك، واذرفي دمعتين حارتين، ومع ألف مليون سلامة. فنتيجة المعركة السياسية المقبلة معروفة قبل التقاء الجمعين... جيش يتقدم ويطلب النزال، والجيش المقابل يبحث عن طريق للهرب! الجيش الأول يقوده أبطال حروب متمرسون، عجنتهم المعارك الكبرى، وصقلتهم الأيام، فلا يشغلهم دوي القنابل ولا غبار الخنادق ولا هدير الطائرات عن رسم الخطط واتخاذ القرارات الصحيحة، بينما الجيش الثاني «يعتفس» ويرتبك لو سمع أزيز رصاصة يتيمة تاهت عن قطيع الرصاص... الجيش الأول يضع الخريطة أمامه ويتفقد المواقع ويدرس الموقف ويتبادل قادته الآراء، والجيش الثاني يتبادل قادته الولولة والنحيب.

Ad

الجيش الأول يدعمه أهل البلد بالخبز والماء وكل ما تحت أيديهم، والجيش الثاني يختبئ قادته وضباطه عن أعين الناس، ويراقبون الأوضاع من خلال ثقب الباب، وإذا جاعوا أرسلوا أحدهم متنكراً يشتري لهم الخبز. الجيش الأول تشكّل دفاعاً عن قضية، والجيش الثاني تشكل بحثاً عن «غنائم حرب»، وستنسحب بعض قواته قريباً لتنضم إلى صفوف الخصوم عندما تدرك أن الغنائم في الجهة الأخرى.

وهنا دعوني أتحدث مع النائب الدكتور محمد الحويلة على انفراد، وهو الذي لم يكشف موقفه بعد، ولا ندري هل يؤيد سرية الاستجواب أم علنيته... الاختباء تحت السرير ليس لأمثالك يا دكتور، فاخرج إلى الناس مكشوف الرأس والجسد، وأرجو ألا تنتظر وصول الحظ لإنقاذك، فالحظ مبتلش بنفسه، ولا يدري مَن ينقذ ومَن يترك، أنت أم المويزري أم الصرعاوي أم الحكومة. والحظ له طاقة محدودة كما تعلم.

أما نواب التجمع السلفي الثلاثة، السلطان والعمير والمطير، فلا أظنهم سيلعبون دور «خوجة»، وهو رجل الدين المعمم في اللغة التركية، الذي يوفّر الفتاوى «للباب العالي» بحسب المواقف. فعندما احتلت بريطانيا اسطنبول، أذعن لها السلطان وحيدالدين حرصاً على عرشه من ضباط الجيش الأتراك، فثارَ الناس، فاستدعى السلطان «الخوجة الكبير»، وهو مفتي الخلافة، وبقية «الخوجات» الكبار، وأمرهم بالتصرف بسرعة، فخطبوا في الناس: «إن احتلال بريطانيا لاسطنبول قضاء وقدر، ومن لا يؤمن بالقدر فقد خرج من الملّة وكفر»، فألقى الناس أسلحتهم وأذعنوا للقدر، الذي هو الجيش البريطاني، إلى أن ثار أتاتورك وهزم البريطانيين. عندها استدعى أتاتورك «الخوجة الكبير»، وسأله: «كيف يترك (القدر) خيامه ومدفعيته ويلوذ بالفرار»؟، فأدرك «الخوجة» أن مصيره الهلاك فقال: «سيدي أنت (قدرٌ فوق قدر)، اغفر لي وسأعلن للناس أنك من سلالة النبي، خصوصاً أنك في صباك رعيت الغنم مثله»، فانتابت أتاتورك هستيريا ضحك حتى كاد يفقد عقله، ورفس «الخوجة» في بطنه، وقال لمن حوله: «أبعدوا هذه القمامة عني». وما إن خرج «الخوجة» حتى هاجمه العامة - بعدما اكتشفوا حقيقته - وأحرقوا لحيته.

لذا أتمنى على النائب خالد السلطان وفريقه أن يفتونا: «هل الشيكات ومصاريف الديوان قضاء وقدر، من ناقشها فقد كفر أم ماذا؟»... أفتونا يا أيها السلف الصالح مشكورين، كما أفتيتمونا سابقاً في فوائد القروض.

على أننا لانزال ننتظر معرفة موقفي النائبين عبدالله الرومي وأسيل العوضي من السرية، كي نقرر هل ننزع أجهزة التنفس عن المريض ليموت ويرتاح، أم أن هناك أملاً في شفائه.

وقبل أن تطلب الحكومة تأجيل المعركة، فتفاجأ بأن «الوقت» انضم إلى صفوف خصومها، أعود لأقول لها: انسحبي يا حكومة حقناً للدماء والأموال، فالمعركة هذه أكبر من قدراتك وطاقاتك وشجاعتك.