اتفاق وزراء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أمس الأول على المحافظة على سقف الإنتاج المعلن للمنظمة منذ شهر ديسمبر من العام قبل الماضي (24.8 مليون برميل يوميا)، وكذلك المحافظة على توزيع حصص الإنتاج بين دول المنظمة، واستمرار وجود العراق خارج نظام الحصص، هو قرار عقلاني، لأنه يتسق مع المعطيات والمؤشرات الاقتصادية الراهنة، ومع درجة التماسك التي شهدتها حركة أسعار النفط الخام في الفترة القصيرة الماضية.

Ad

مرونة عالية

ولكن مثل هذا الاتفاق ما كان ليحدث بمثل هذه الدرجة العالية من اليسر والمرونة، التي أبدتها أغلبية الدول الأعضاء في المنظمة، لو لم يكن مستوى الطلب العالمي على النفط متناسبا الى حد كبير مع الكميات المعروضة في الأسواق العالمية، هذا أولا، بينما يرتبط السبب الثاني الذي يبرر هذه المرونة بمستوى الأسعار الذي يتناسب مع موازنات دول الأوبك، ويوفر عوائد تفيض عن حد التوازن مع الانفاق الجاري، وذلك بعد التحسن المطرد الذي شهدته معدلات الأسعار منذ أن بدأت مؤشرات التعافي من آثار أزمة الائتمان المصرفي تظهر في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة.

تجاوز الحصص

وأؤكد هذه المرونة، لأن تجاوز عدد من دول المنظمة حصص الانتاج بنسب عالية لم يعد من بين الأسرار أو التكهنات، بل حقيقة أكدتها بيانات الانتاج المنشورة عبر أكثر من موقع من المواقع العالمية المتخصصة في رصد ومتابعة عمليات ضخ وتصدير النفط العالمية، وهذا أمر طبيعي متوقع في ظل ارتفاع أسعار النفط الذي من شأنه أن يشجع بعض أعضاء الأوبك على ضخ وبيع المزيد من النفط، فضلا عن أن هذا الارتفاع قد أعقب موجة انخفاض حاد وقياسي في مستويات الأسعار بفعل الأزمة المالية. والخلاصة هي أنه لولا كفاية الطلب وتحسن الأسعار لكان من شأن تجاوزات الحصص أن تفجر خلافات عميقة بين دول المنظمة.

قلق مشروع

وكانت بعض دول الأوبك قد طالبت برفع سقف الإنتاج، لأنها ترجح عوامل التحسن في المناخ الاقتصادي العالمي، ومن ثم تتوقع نموا أقوى للطلب العالمي على النفط، وخصوصا من قبل الصين والهند ودول شرق آسيا، وقد لعب هذا الأمر في حد ذاته دورا في قرار الأوبك، فأغلبية دول المنظمة تدرك وجود نمو واعد في الطلب العالمي، ولكنها تعرف أيضا أن هناك من يتجاوز حصة الانتاج المحددة له ضمن سقف المنظمة، ومن ثم لا يوجد ما يبرر السماح برفع هذا السقف في الوقت الحاضر، بينما تخشى دول أخرى في المنظمة أن يؤدي عدم التزام دول المنظمة الى حدوث فائض عرض يضعف من تماسك الأسعار، ويشكل مدخلا لتفجر الخلاف بين الدول الأعضاء، وهذا يشكل مصدر قلق مشروع في الوقت الراهن، خاصة أن عناصر الاستقرار في الاقتصاد العالمي، وكذلك سوق النفط بالتبعية ما زالت هشة، ولعل الأزمة اليونانية الراهنة تشكل دليلا على هذه الهشاشة.

لقاء مكاشفة

وتتطلب حالة القلق هذه أن تبادر الأمانة العامة للمنظمة الى دعوة دولها الى عقد لقاء مصارحة ومكاشفة في ما يتعلق بواقع الكميات الفعلية المنتجة من جانب الدول الأعضاء في الوقت الحالي وخططها المستقبلية، سواء المعلن منها أو غير المعلن، لزيادة الانتاج في الأجلين القصير والمتوسط، أما التغاضي عن التجاوزات الراهنة فلن ينتج عنه الا تزايد تدريجي في نسبة التجاوزات، واذا ما أضفنا الى ذلك احتمال عودة العراق المرتقبة الى نظام الحصص في ظل برامجه الطموحة لزيادة طاقته الانتاجية فإن حدوث تخمة في السوق العالمي قد يصبح أمرا مؤكدا. إن مثل هذه المصارحة مطلوبة الآن لأنها قد تتم في الوقت الحاضر بعقول راجحة وصدور رحبة، أما ان انتظرنا حتى يفيض العرض عن الطلب ويتزاحم المصدرون سواء من هم في داخل المنظمة أو خارجها على تقاسم السوق، فقد تغيب رجاحة العقول وتتلاشى رحابة الصدور.