من الأهمية بمكان نشر الثقافة الدستورية في أوساطنا بالوسائل المختلفة، ومن خلال شتى المؤسسات الرسمية والمؤسسات الشعبية ذات النفع العام، مع ضرورة أن يكون لهذا الأمر عناية قصوى في مناهج وزارة التربية المختصة بذلك، وألا تكون مجرد مادة هامشية يمر عليها الطلاب مرور الكرام.

Ad

تطرقت في المقالين السابقين إلى بعض مواد الدستور، فعلق أحد القراء الكرام، مستخدماً اسماً مستعاراً هو «حقوقي»، متسائلاً، بتهكم واضح، عن متى أصبحت خبيراً دستورياً؟! فأثار التعليق عندي فكرة هذه المقالة.

أعتقد، والاعتقاد هو الجزم كما يقال، أن جزءاً كبيراً من مشكلتنا السياسية، وتخلفنا على هذا المستوى وانعكاسه على هيئة رداءة كثير من اختياراتنا الانتخابية «والتلبك المعوي» المستمر في المسيرة النيابية، يرتبط بانعدام ما يمكن تسميته «الثقافة الدستورية» في أواسط عموم الناس، بل كثير من المثقفين والناشطين السياسيين والإعلاميين، فمن غير المستغرب، بل لعله من الطبيعي، أن أغلب الناس لا يعرفون ما الدستور، ولم يسبق لهم أن اطلعوا عليه وتعرفوا على كيف صفت مواده وكيف صيغت، ولا يدرون ما هي المذكرة التفسيرية، وما علاقتها بالدستور وما قيمتها، وما علاقة هذا كله بالقوانين، وبالتالي فلا يعرفون الكثير عن علاقة السلطات ببعضها بعضا، ولا عن موقعهم كمواطنين في هذه المعادلة، ولا عن حقوقهم أو واجباتهم، ولا عما يصح وما لا يصح، ولا عن علاقة الشريعة الإسلامية وأحكامها بإدارة الدولة.

القارئ الكريم، الذي علق على مقالي بتوقيع «حقوقي»، استنكر علي أن أقرأ الدستور مباشرة، فأفهم دلالاته ومعانيه دون واسطة، وتهكم عليّ بتساؤله عن متى صرت خبيراً دستورياً، وهو أمر، مع كامل احترامي لشخص القارئ، لا يفترض أن يصدر من شخص ينسب نفسه إلى «الحقوقيين»، ولا حتى ممن لديه طرف من ثقافة عامة، لأنه إن كان الإنسان المسلم مأموراً بقراءة القرآن الكريم وفهم معانيه مباشرة دون واسطة إلا إذا أشكل عليه الأمر، وهو كتاب الله المنزّل، فما بالك بالدستور الذي هو من وضع البشر ومن اجتهادهم؟ هل يمكن أن نتصور بأنه وثيقة معجزة وضعت بحيث لا يتجرأ عليها أحد، وألّا يفهم طلاسمها إلا اختصاصيو الشفرات وعلماء الرموز؟! هذا غير معقول.

لكن الغريب حقاً، أني لم أذهب في مقالتي إلى أكثر من القول البدهي بأن مواد الدستور لا يمكن أن تناقض بعضها بعضا، ولا أن يَجُبَّ بعضها بعضاً فيلغيه، وأن المنطق يقول بأنها تتكامل، وعليه فإن الإطلاق في مادة منها- كما في المادة 30- يكون مرتهناً ببقية المواد إن كانت قد وضعت قيوداً ما، وكذلك بالقوانين التي تحدد كيفية تطبيق هذه القوانين، ومثال ذلك عندما تقول المادة 17 من الدستور إن للأموال العامة حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن، فهل يعني ذلك أن من حق كل مواطن أن يذهب لهدم تعديات جيرانه على أراضي الدولة، بدعوى أنه مأمور بذلك وفقاً للدستور؟! واضح لكل صاحب فهم سليم أنه لا يجوز.

سأعود للتأكيد على ما بدأت به مقالي وهو أهمية نشر الثقافة الدستورية في أوساطنا بالوسائل المختلفة، ومن خلال شتى المؤسسات الرسمية والمؤسسات الشعبية ذات النفع العام، وضرورة أن يكون لهذا الأمر عناية قصوى في مناهج وزارة التربية المختصة بذلك، وألا تكون مجرد مادة هامشية يمر عليها الطلاب مرور الكرام.

الكويت دولة دستورية، ولا يمكن تصور نجاح مسيرتها إلا من خلال فهم هذا الدستور واحترامه والعمل على أساسه.