يروى في قصص أمثال الحيوانات أن "ابن آوى" خرج في صباح ذات يوم يفتش عن طعام يأكله، فسار في طريقه حتى وصل إلى مشارف قرية كبيرة، فرأى ديكاً كبيراً سميناً، واقفاً على سطح أحد البيوت، فسلم "الواوي" عليه، فرد عليه الديك السلام، رد مرتاب حذر، فقال له الواوي: "أيها الديك الظريف، ذو الصوت اللطيف، لقد جئتك زائراً مسلماً فتفضل بالنزول إلي"، فقال الديك: "وكيف آمنك على نفسي وليس لي عدو أعدى منك؟ ولو نزلت إليك فإنك لن تتوانى عن أخذي وأكلي"، فقال ابن آوى: "يا قليل العقل أما سمعت بالسلطان نادى بالأمان في جميع البلدان، فاجتمع القط بالجرذان، والأسد والغزلان، والوحش والإنسان، وأصبح أكل الحيوان للحيوان مما ليس بالإمكان، وشاهدي على قولي هذا "الفرمان" الذي أصدره بالأمس جلالة السلطان"، فتردد الديك في النزول، وحار في أمره، ولم يدر هل يصدق "ابن آوى" في كلامه أم يرفض قوله وادعاءه، وبينما هو في حيرته رأى بعض كلاب الصيد تركض من بعيد متجهة نحوهما، وهي تنبح نباحاً شديداً، فلما سمع "ابن آوى" نباحها أطلق ساقيه للريح هارباً، فصاح به الديك: "يا ابن آوى رويدك لحظة حتى تطلع هذه الكلاب على فرمان السلطان  فتشعر بالأمان"، فقال "الواوي" وهو لايزال يركض بأقصى ما يقدر عليه: "أي فرمان... أي سلطان... منو يقرا... منو يسمع)"، فضحك الديك من كلامه، وبان له كذبه وخداعه، وذهب ذلك القول مثلاً.

Ad

تذكرت هذا المثل وأنا أقرأ قرارا لمدير الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د. يعقوب الرفاعي بإيفاد أحد الموظفين بوظيفة مراقب في الهيئة إلى جنوب إفريقيا بمهمة رسمية "لحضور فعاليات نهائيات كأس العالم". هل وصلت الأمور إلى هذا الحد من الجرأة في استغلال المال العام للفسحة والتنزه؟! لو كان هذا الشخص مدربا أو مستشارا رياضيا في الهيئة العامة للشباب والرياضة لأمكن "تفويت" الموضوع، لكن إيفاد موظف في التطبيقي لحضور مباريات كأس العالم "وايد قوية". ربما تحولت الهيئة العامة للتطبيقي ونحن لا نعلم من مؤسسة أكاديمية إلى "فيفا" رياضية تهتم بتطوير لعبة كرة القدم.

لا يبدو أن قرار مدير التطبيقي بإيفاد موظف لمشاهدة ميسي ورونالدو وكاكا يتسق مع فرمانات وتصريحات الحكومة بالحرص على المال العام ومحاسبة المسؤولين على تصرفاتهم، ولكن كما قال الثعلب "منو يقرا... منو يسمع"، والمضحك أكثر أن القرار المذكور ينص على أن "المهمة الرسمية" تأتي بناء على ما تقتضيه مصلحة العمل، أي أن العمل في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي لا يستقيم إلا بمشاهدة أهداف مولر الألماني وفورلان الأرغواني إلا من داخل الملعب. من الواضح أن من أمن العقوبة أساء الأدب، وإذا كان من الممكن تصديق اجتماع القط بالجرذان والأسد والغزلان فإنه لا يمكن تصديق أن يقوم موظف قي الهيئة العامة للتعليم التطبيقي بمهمة رسمية للاستمتاع بمباريات كأس العالم على حساب الدولة، لكن من الواضح أن المال العام أصبح مثل لحم الديك الذي تحتال الثعالب لأكله والاستمتاع بمذاقه المجاني.

وبما أن "شر البلية ما يضحك" فإن توضيح الهيئة للموضوع بعد أن أصبح مثاراً للسخرية ينطبق عليه المثل "عذر أقبح من ذنب"، فالرد يقول إن "الهيئة تسعى لمواكبة التطور ولإيفاد مجموعة من الكوادر في مهمات رسمية للاستفادة والاطلاع على كل ما هو متطور"، ويضيف التوضيح بأن الموظف الموفد لم يذهب في المهمة الرسمية لأسباب خاصة.

أقول إن عدم ذهاب الموظف في المهمة الرسمية لا يغير في الأمر شيئا، وربما يكون فقط من باب درء الفضيحة، وإلا فإن الموضوع الأساسي هو هل نادي العاملين بالهيئة بهذا التطور لكي ترسل الهيئة أحد موظفيها للاستفادة من تنظيم كأس العالم، ربما لأن الدورات الرياضية للعاملين في الهيئة بمستوى تنظيم كأس العالم. ليت الهيئة لم توضح من باب "إذا ابتليتم فاستتروا"، ولكن لا نلوم مسؤولي الهيئة لا على القرار الفضيحة ولا على التوضيح "الدايخ"،  لأنه كما قال الثعلب "منو يقرا منو يسمع".

 حتى لا يظن أحد أن "التطبيقي" الوحيد المتفرد بهكذا قرارات عجيبة، نقول إن مثل هذه القرارات التنفيعية موجودة في أغلب المؤسسات الحكومية، واستشهادنا بقرار الهيئة فقط لأنه ظهر إلى العلن، فلو أن الحكومة تحاسب المسؤولين على أعمالهم لما صدرت مثل هذه القرارات الغريبة.