يرى وليم شكسبير أن: «القوة تصنع الحق»، ويشاطره الشاعر العربي الرأي نفسه قائلاً: «السيف أصدق انباء من الكتبِ، في حده الحد بين الجد واللعب»، لكن الحياة في ديدنها، وزمناً نعيش فيه، عنوانه الأكبر: ثورة وسائل الإعلام والاتصال، كلاهما يؤكد عكس ذلك، ويعلن صباح مساء، عبر وسائل الإعلام، أن الكلمة والكتاب والصورة، والقصة والرواية والقصيدة والمسرحية، أصدق وأبقى من القوة والسيف.

Ad

تستطيع القوة العمياء الغاشمة أن تفرض كلمتها، في كل زمان ومكان. تبطش دونما تمييز، تقلب الموازين، وتخلق واقعاً جديداً مؤقتاً ما كان له أن يكون لولا ظلم تدخلها. لكن، هذا الواقع المؤقت، إن لم يكن مدعوماً بقضية عادلة، ومستنداً إلى حقٍ بيّن، فإن زوالاً محققاً سيبقى يتربص به، طال الزمن أو قصر. ولا شيء يحارب القوة، أياً كان حجمها وعنفوانها ووحشيتها، قدر الحق والكلمة، وربما لهذا تخيف الكلمة المتجبرين، وتقض مضاجعهم، وتتسرب إليهم مع أحلامهم، فيجن جنونهم على الكتّاب والكتب.

إن قانون الحياة يحتم حقيقة موت أي حاكم دكتاتور مهما امتد به العمر، وقانون الحياة نفسه يؤكد أن كتباً بعينها استطاعت أن تبقى، وأن يمتد بها العمر لعهود وقرون، لتقول بنصرة حق مغتصب، وهكذا فإن الكلمة أطول عمراً وبقاءً وأثراً من قوة بطشِ أي بشر.

نعم، القوة تصنع ملامح اللحظة الحاضرة، وبهذا ينتهي فعلها، تخلق واقعاً وتقف حارسة له، بينما يبدأ فعل وأثر الكلمة المبدعة بعد ولادتها، ويستمر عابراً الأجيال، فاضحاً كل ما يُراد له أن يبقى مستتراً، وبما يستعصي على المحو والنسيان. ومن هنا تأتي حاجة الأمم إلى المفكرين والمبدعين والأدباء والفنانين، ومن هنا يأتي فخرها بهم، فوحدهم الأبقى والأقوى وقوفاً في وجه العاديات.

أنا أعلم علم اليقين أن قوة ما تستطيع أن تقيم حقيقة أرضية، لكنني متأكد من أن قوة ما، أياً كان، حجمها وجبروتها فإنها أعجز من أن تخلق حقاً باطلاً. ويقيني نفسه يجعلني أثق بقوة الكلمة، وبقدرتها، إذا كانت تركن إلى حق وفكر وإبداع، على أن تخلق واقعاً فكرياً وأدبياً إنسانياً قادراً على مخاطبة البشر، في كل زمان ومكان، وقادراً أيضا على أن يؤثر في عقولهم، وربما يعيد تشكيل قناعاتهم بشكل مختلف، مشيراً إلى ضرورة عودة الحق إلى أهله، دون استخدام سيف أو رصاصة.

الكلمة أقوى من الرصاصة، والكلمة أبقى من الرصاصة، وللكلمة القدرة العجيبة والساحرة على خلق واقعٍ حقٍ، لو جنَّ جنون رصاص الأرض أجمعه لعجز عن إقامته. لذا كنت وسأبقى مؤمنا بقوة وحق الكلمة المبدعة الصادقة، ومتمسكاً بها، حتى لو جارت قوة طارئة عليها.