في السنوات الأخيرة كم مرة تكرر السيناريو التالي: صحافي ينقل خبراً أو كاتب يعبر عن رأيه، جهة ما تتضايق فتغالي بالشكوى ضده بإخراجها من إطار النشر والتعبير وإسباغ صفة «أمن الدولة» عليها، سلطات تحقيق تتعسف في تطبيق القانون وأحيانا تخالفه، مقالات وبيانات واعتصامات تطالب بالإفراج، تصريحات وخطابات نيابية تعد وتتوعد، بطولات حقيقية أو زائفة تُصنع، قضية أو لا قضية، إفراج، والكل «يروح بيتهم... وبعدين»؟
أضحى التعامل مع تلك القضايا رتيباً ومملاً، وتحولت المطالب الديمقراطية النبيلة إلى أسطوانة مشروخة، بل باتت مزعجة أخيراً لما يصاحبها من تسييس وتصيد وتخوين وبطولات ورقية، السؤال مرة أخرى: «وبعدين»؟ ما التقدم الذي تم إحرازه في كل قضية؟ لا شيء.في كل مرة ننشغل بأعراض المشكلة ولا أحد يخطو جدياً لمعالجة جذورها، فهناك أرضية وجدت لتتيح لمن أراد التعسف أو التكسب، فلا تلام السلطات إن تعسفت أو صحت الادعاءات بدخولها طرفاً في صراعات سياسية وشخصية، ولا يلام أي كاتب لديه طموح سياسي أو رغبة بتطهير سواد الماضي، أن يستثمر التعسف ضده ليخلق لنفسه مجداً زائفاً، فهذه كلها وسائل متاحة في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، فالملامة على نصوصه وعلى من يتقاعس عن تعديلها، وهذا ما يتم إغفاله في كل قضية.الحبس الابتدائي لأربعة أيام منصوص عليه في القانون، وكذلك الحبس الاحتياطي لواحد وعشرين يوما، بل يجوز تمديده إلى ستة أشهر بأمر رئيس المحكمة، وبعدها يجوز تمديده إلى الأبد– نعم إلى الأبد– بأمر المحكمة حتى إتمام التحقيق، كل ذلك جائز ضمن سلطات تقديرية منصوص عليها في القانون، ناهيك عما ترتكبه سلطات الضبط والتحقيق من انتهاكات ومخالفات قانونية، منها تلك التي اعترف بارتكابها ضابطا المباحث في برنامج تو الليل» الأسبوع الماضي.للأسف ستتكرر الأسطوانة وربما تزداد فداحة، فمحمد الجاسم المحبوس حالياً شخص ذائع الصيت وله امتداد عائلي وإعلامي وسياسي يتبنى قضيته، ولكن غيره لن يجد من ينتصر له طالما لم يعدل القانون، وهذه رسالة للنواب وفي مقدمتهم النائب أحمد السعدون الذي تعهد بالعمل على إصلاح القانون في خطاب له في قضية اختطاف عناصر «أمن الدولة» للزميلين في «الجريدة» بشار الصايغ وجاسم القامس في أغسطس 2007، ولم يف بالعهد.أخيراً، محمد الجاسم شخصية مثيرة للجدل وتحوم حوله علامات استفهام وتعجب كثيرة، ويصعب على الكثيرين– وأنا منهم– قبول ما يحاول بيعه علينا من بطولات وبراءة، ولكن لهذا مكان وزمان آخر بعد الإفراج، المهم الآن هو وجود شخص محبوس بقضية رأي، وهناك أسرة صغيرة قلقة على أحد أفرادها، وأسرة صحافية وديمقراطية أكبر قلقة على حرياتها، ولكل ما سبق يجب الإفراج عنه فوراً والتعامل مع القضية في إطار النشر والتعبير وليس أمن الدولة.***العم محمد أحمد الرشيدالعتب على الزمن الذي لم يجمعني بهذا الرمز، أحاديثه العفوية في أفلام سلسلة «ديوانيات الاثنين» التي نشرناها في «الجريدة» في فبراير 2009 تبرز صفات الشموخ والتواضع واللباقة والأصالة التي اجتمعت في إنسان واحد، وتولد لديك رغبة جامحة بالنهوض لتقبيل جبينه، وأنصح من لا يعرفه بمشاهدة الحلقة التاسعة من السلسلة على اليوتيوب لمعرفة ما فقدته الكويت برحيله السبت الماضي.
مقالات
حبس واعتصام وافراج... وبعدين ؟
20-05-2010