أكبر ظاهرة فكرية وثقافية سعودية هذا العام هي وضع قضية الاختلاط بين الجنسين على طاولة النقاش، ولعل أبرز منعطف فكري في هذا النقاش الساخن الطويل إشارة عدد من العلماء والباحثين إلى أن مصطلح الاختلاط مبتدع، وأن المحرَّم هو الخلوة.

Ad

ورغم إعصار الردود التي واجهها أصحاب هذا الطرح، فإن كل معارضي الاختلاط الذين أكدوا في ردودهم حرمته لم يستطيعوا العثور على نص صريح يثبت ذلك، بل إنهم لم يجدوا ذكراً لهذه المفردة في القرآن الكريم أو السُنّة النبوية.

ثمة فئة أكثر واقعية ضمن صفوف معارضي الاختلاط لا تقول بحرمته، ولكنها ترى أن منعه أحوط وأفضل لأنه قد يؤدي إلى الخلوة المحرمة، تبدو هذه الفكرة مثل منع زراعة العنب كي لا يشرب شاب طائش الخمر، تهميش القاعدة العامة لضمان تهميش الاستثناء! ولكن هل يمكن حقاً تهميش الاستثناء؟ وهل يستحق وهو «الاستثنائي المستثنى» أن تتهمش من أجل عينيه القاعدة العامة؟!

لقد كرر معارضو الاختلاط قراءة قائمة المخاطر المترتبة على الاختلاط مئة مليون مرة، فهل لديهم استعداد كي يتعرفوا ولو لمرة واحدة فقط على قائمة الأخطار التي يصنعها منع الاختلاط؟!

فإذا كانت الغاية من منع الاختلاط هي تقليل فرص حدوث الخلوة المحرمة، فإن من مخاطر نظام الفصل الحاد بين الجنسين أنه يؤدي إلى تحويل الحياة اليومية إلى سلسلة من الخلوات! حيث يصبح أي لقاء بين الجنسين في بيئة مفصولة هو خلوة غير شرعية، حتى لو كان هذا اللقاء ضرورياً وحيوياً مثل التعاطي مع العمالة المنزلية أو الطواقم الطبية أو حتى في التعاملات التجارية، وهنا يكون منع الاختلاط قد أدى تحويل الخلوة إلى سلوك يومي بدلاً من أن يقلل من فرص حدوثها!

ومن مخاطر عدم الاختلاط أيضاً تضييق مساحة فرص العمل أمام المرأة إلى أبعد حد، بحيث تكاد تنحصر هذه الفرص في قطاعي الصحة والتعليم، وهذا يؤدي مع مرور الوقت إلى تزايد معدلات البطالة النسائية، وبالتالي إفقار قطاع عريض من النساء.

وبين مخاطرعدم الاختلاط كذلك شل قدرة المرأة على الحركة، فتصبح عاجزة عن متابعة شؤونها الحياتية وإنهاء إجراءاتها النظامية بنفسها، وهذا الشلل المقنن يحد من قدرتها على الدفاع عن حقوقها أو التعامل مع قضاياها بشكل مباشر، فتصبح بحاجة دائمة إلى رجل يربطها بالعالم الخارجي، وهي في أفضل الأحوال تتحول إلى حمل ثقيل على هذا الرجل، خصوصاً إذا كان مسؤولاً عن إنهاء إجراءات خمس نساء غيرها، أما في الأحوال السيئة فيمكن أن تجد نفسها أمام رجل يبتلع أموالها وحقوقها دون أن تستطيع فعل شيء.

بالمناسبة أسوأ ما في نقاش الاختلاط هو حالة الفصل الحاد بين طرفي النقاش، فمنذ الكلمة الأولى يتم تصنيف الموقف «مع أم ضد؟»... لا أحد يريد أن ينظر إلى الأمر من زاويتين، وهذا قد يجعل النقاش الساخن الطويل دون نتيجة.

* كاتب سعودي