بدأ يتبدد حس الهدوء الهش، والباعث على الرضا ربما، في بلاد الشام، فالتقارير التي صدرت على مدى الأسبوعين الماضيين بشأن إرسال سورية صواريخ سكود إلى "حزب الله"، أو على الأقل استعدادها لنشرها عبر الحدود مع لبنان، ذكّرت الجميع في المنطقة بأنه وسط الغرور، قد تنشب حرب مدمرة بمجرد وقوع خطأ في الحسابات.

Ad

من شأن امتلاك "حزب الله" مثل هذه القدرة الاستراتيجية تغيير قواعد اللعبة، إذ قد يسمح له ذلك باستهداف كامل الأراضي الإسرائيلية انطلاقاً من قواعده في أقصى الشمال. لكن الفائدة الحقيقية التي سيجنيها قد تكون نفسية، لأن ثقة الإسرائيليين بأنفسهم قد تتزعزع حتماً إن باتت البلاد برمتها تحت مرمى النيران، لكن من غير الأكيد كم ستحسّن هذه الصواريخ قدرة "حزب الله" في أي حرب، فقد أطلق العراق صواريخ سكود مزودة برؤوس حربية تقليدية ضد إسرائيل والسعودية خلال حرب الخليج في عام 1991، لكن حجم التدمير كان محدوداً.

وبالنسبة إلى سورية، قد يساعد ذلك على تصحيح اختلال مذّل في التوازن سمح لإسرائيل بتجاهل سورية حين يحلو لها، فتسعى دمشق جاهدةً منذ عقود إلى تحقيق تكافؤ استراتيجي، وهو هدف مثالي استحال تحقيقه مع انهيار الاتحاد السوفييتي المناصر لها.

لعل هذه التقارير والبيانات الاتهامية التي يطلقها القادة الإسرائيليون مجرد معلومات مضللة تأتي في وقت لتحويل مسار المساعي الأميركية المترددة للتحاور مع سورية بعد خمس سنوات من التباعد بينهما، أو لصرف النظر عن التوتر في العلاقات بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكن هذا الأمر مستبعد، ولابد من تقييم ردود النفي السورية أيضاً استناداً إلى تاريخها الحديث. لا شك أن ما كُشف في عام 2007 عن أن دمشق تطور قدرة عسكرية نووية أثبت بأنها أكثر رغبةً في تحمّل المخاطر وأقل استعداداً للمواجهة مما افتُرض.

يتفاخر "حزب الله" بحد ذاته بأنه عوض إلى حد كبير ترسانته من الصواريخ منذ حرب عام 2006، حين شكّل إطلاقه المتواصل للصواريخ دليلاً على فشل إسرائيل العسكري، لكن لضمان عنصر المفاجأة، يرفض الحزب التأكيد على نوع الأسلحة التي استحصل عليها، إذ تتضمن المعدات الجديدة على الأرجح أسلحة مضادة للدبابات وصاروخ الكتف المضاد للطائرات من طراز "إيغلا-إس" والذي من شأنه تقويض سيطرة إسرائيل الجوية.

إن صحّت التقارير بشأن نشر الصواريخ، فعندئذ سيتسع الصراع المقبل بين إسرائيل و"حزب الله" بلا شك ليشمل سورية، فالمرة الأخيرة التي اشتبكت فيها القوات السورية والإسرائيلية كانت في عام 1982 في وادي البقاع في لبنان. تلقى الجيش السوري آنذاك، ولاسيما قواته الجوية، ضربة موجعة، لكن إسرائيل كانت منشغلة في محاربة منظمة التحرير الفلسطينية ولم يكن في نيتها توسيع حدود الصراع. بنتيجة الأمر، رُسمت خطوط حمراء جديدة حولت لبنان إلى منطقة نزاع ومنافسة بالوكالة.  

لكن هذه المرة بدأت اللهجة بين البلدين تزداد حدّةً، فالنظام السوري يدعم "حزب الله" علناً، وقد أخبر الرئيس السوري بشار الأسد نظيره الفلسطيني محمود عباس بأن "ثمن المقاومة ليس أغلى من ثمن السلام".  

من جهة أخرى، شبّه وزير الخارجية الإسرائيلي الذين ينتمي إلى الصقور، أفيغدور ليبرمان، مسبقاً "حزب الله" بفرقة في القوات المسلحة السورية، وأفاد بأن إطاحة نظام الأسد ستكون مهمة سهلة، وحتماً لم يكن ذلك تهديداً فارغاً.

لو افترضنا أن صواريخ سكود نُشرت، لأصبحت المسألة الأهم مسألة قيادة وسيطرة. يريد "حزب الله" سلاحاً يرعب به المجتمع الإسرائيلي، وسورية أداةً تمكّنها من اللعب مجدداً على أسس متكافئة، وإيران نظام ردع ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل على منشآتها النووية.   

التحدي جسيم بالنسبة إلى إسرائيل، فقد أثبت "حزب الله" براعته في إخفاء الصواريخ واستخدامها، بالرغم من أن نشر صواريخ عدة من طراز "سكود" بطول 13 متراً في زمن حرب سيُكشَف من قبل الطائرات العادية الإسرائيلية والأخرى من دون طيار.

فضلاً عن ذلك، للأزمة بُعد آخر يكمن في مدى هامشية الدولة اللبنانية اليوم، ففي النهاية، كان من المتوقع أن يناقش القادة السياسيون بأطيافهم المختلفة استراتيجية نظام دفاعي خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي شكّل محاولة فاشلة أخيراً لمعالجة مسألة سلاح "حزب الله". في هذا الإطار، نستطيع الافتراض بأن "حزب الله" لم يشاطرهم تفاصيل بشأن استعداداته العسكرية مع الفصائل اللبنانية الأخرى، جزئياً لدواع تتعلق بالسرية وأيضاً لأنه يعتبر نفسه وخططه العسكرية فوق أي نقاش.

مما لا شك فيه أن "حزب الله" لن يكون وحده المعني في الصراع المقبل، فتأكيده على أن الانقسام بين ثنائية الدولة ومقاومة تحمي البلاد، سيواجه اختباراً قاسياً. من الدروس المحبطة التي استخلصتها إسرائيل من حرب عام 2006 والسيطرة السياسية للميليشيا الشيعية منذ ذلك الحين، أن إلحاق الألم بـ"حزب الله" وناخبيه فحسب أمر غير فعّال. قد تشهد الجولة المقبلة إذن هجمات على بنى تحتية أساسية، ومبان حكومية ومنشآت للجيش اللبناني. من شأن ذلك أن يجر كامل البلاد إلى الصراع، لكن مجدداً من دون إجماع وطني حول سبب القتال أو هدفه.

من ضمن الضحايا الأخرى المحتملة للأزمة السياسة الأميركية التي تسعى إلى ترميم العلاقات مع دمشق والتي تقوم على فكرة أن الولايات المتحدة تستطيع جذب سورية إلى صفها بعيداً عن إيران، لكن حتى الساعة لم تثمر المساعي الأميركية نتائج كافية، فبعد أن قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إن واشنطن طلبت من دمشق "البدء بالتخلي عن علاقتها مع إيران"، رد عليها الأسد بقوة قائلاً إنه أساء على الأرجح فهم كلينتون، ربما بسبب الترجمة السيئة أو قدرته المحدودة على الاستيعاب وذلك خلال لقاء جمعه بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في دمشق في فبراير.  

في النهاية، سيكون لبنان الضحية الحقيقية لحرب تؤججها أزمة الصواريخ، إذ سيشهد حملة تدمير شاملة من قبل إسرائيل، وصراعاً أهلياً إن سعى "حزب الله" وراء خصومه المحليين، واحتمال عودة القوات السورية في حال عزا العالم مجدداً الفوضى في لبنان إلى دمشق... حدث ذلك في عام 1976، وقد يحدث مجدداً.

* إميل الحكيم | Emile Hokayem