كما كان متوقعا انتهى استجواب النائب خالد طاحوس دون أي نتيجة، وهو الاستجواب الذي ولد ميتا منذ البداية، ولم يحصل على تأييد نيابي واسع، ومع أن ما يميز هذا الاستجواب أنه لم يحظ بتفاعل إعلامي كبير كحال بقية الاستجوابات فضلا عن أنه موجه إلى سمو رئيس الوزراء، إلا أن هناك مشاهد أخرى بحاجة للوقوف عندها قليلا.
أولا، من الواضح أن أحد أسباب فشل الاستجواب هو انفراد الأخ النائب بالاستجواب دون مشاورة الآخرين، مما سبب اختلافا بين أعضاء التكتل الشعبي أنفسهم، سرعان ما تداركوه واتفقوا جميعا على دعمه، لكن طريقة الانسحاب من الاستجواب تؤكد أن «الشعبي» أراد التخلص منه، وهو ما تحقق بمساعدة الحكومة. فعندما قال التكتل إنه سيسحب الاستجواب إذا تحولت الجلسة إلى سرية، فهو بذلك كأنما يدعو الحكومة والنواب إلى تحويلها إلى سرية حتى يستخدم ذلك كذريعة للهروب من الاستجواب خشية هزيمة جديدة نتيجة خطوة متسرعة وغير محسوبة من نائب جديد ومندفع. ثانيا، انسحاب النائب طاحوس من الاستجواب بحجة السرية غير مبرر لأنه قال إنه سيستقيل إذا لم يستطع إقناع النواب بمستنداته وحججه «لاحظوا أنه ذكر النواب ولم يذكر الشعب أو الجمهور». لذلك، تحويل الجلسة إلى سرية لم تمنعه من عرض استجوابه على النواب ومحاولة إقناعهم بمستنداته التي «تسقط حكومات» كما قال، (وهي نفس الجملة التي استخدمها النائب الوعلان سابقا). وكم كنت أتمنى أن تواجه الحكومة الاستجواب في جلسة علنية حتى نرى إن كان النائب الفاضل سيفي بوعده، خصوصاً أن النتيجة كانت معروفة مسبقا! ثالثا، لغة التخوين مازالت مستمرة وتعتبر أقصر الطرق التي يستعملها البعض لفرض آرائهم على الآخرين، فنرى الناشط بقضية أم الهيمان أحمد الشريع يتهم النائب خالد العدوة بالرشوة، وبأن الموافقين على السرية سيذهبون إلى مزبلة التاريخ، والنائب مسلم البراك وصفهم بالانبطاحيين، وبالأمس اتهم النائب خالد طاحوس زميلته النائبة سلوى الجسار بالحصول على مناقصات بمجرد الاختلاف معها على الاستجواب. إن الفرز بهذه الطريقة هو فرز ساذج ويعبر عن إفلاس سياسي، وهنا لا ننكر وجود انبطاحيين ومتمصلحين، لكن ذلك ينطبق على الجبهتين ولا يجوز وصم كل من اتخذ موقفا معينا بهذه الصفة، وتبرئة كل من اتخذ الموقف المضاد منها. فهناك انبطاحيون من بين مؤيدي السرية ويتخذون مواقفهم حسب المصالح الشخصية والانتخابية، وهناك في نفس الوقت من اتخذ ذلك الموقف اقتناعا بأن السرية تحرر النائب من ضغط الجمهور والإعلام وتقطع الطريق أمام كل من يريد الاستعراض أمامهم. وبالمقابل، هناك من صوت ضد السرية اقتناعا بعدم وجود مبرر لها، لكن في نفس الوقت هناك من صوت ضد السرية خوفا من ضغط الشارع وانبطاحا له لا اقتناعا بعدم جدوى السرية. وهناك من صوت ضد السرية في الاستجوابات السابقة «وتم تصنيفه من ضمن الهامات المرفوعة والأحرار»، لكنه صوت مع السرية هذه المرة واعتبر انبطاحياً! والعكس صحيح، فهناك من صوت مع السرية في الاستجوابات السابقة «وتم تصنيفه من ضمن الانبطاحيين»، لكنه صوت ضد السرية هذه المرة واعتبر بقدرة قادر من ضمن الهامات المرفوعة والأحرار. فكيف بالله عليكم يستقيم هذا المنطق؟ وكيف يتحول الانبطاحيون فجأة إلى أحرار ويتحول الأحرار فجأة إلى انبطاحيين؟ ففي مجلس الأمة قضايا كثيرة مختلف عليها، وفي كل مرة نجد تغيرا في جبهة الموافقين والمعارضين، وكل نائب يعبر عن مصالح خاصة أو عن مبادئ معينة أو عن جمهور ناخبيه، ولذلك نتمنى أن ينتهي التعميم الساذج للمشهد السياسي، وأن ينشغل بعض النواب بالأولويات بدلا من انشغالهم ببطولات زائفة.
مقالات
الشعبي اراد السرية والهروب!
10-06-2010