في الوقت الذي أُعلن فيه أن الكويت الأولى عربياً في مجال الحريات، يواجه الصحافيون والكتّاب الكويتيون حرباً شرسة مع نصوص قانون المطبوعات والنشر، الذي يطلق عنان الشكوى لمن يريدها، سواء كان صاحب حق أو من لم يكن له صلة بما يُنشر أو يكتب في الصحافة المحلية، وقد يكون الصحافيون والكتّاب في مقدمة المتهمين في مجال الحريات في الوطن العربي!

Ad

وليس مبرراً لمجلس الأمة في سَنه للنصوص الأكثر قساوة في تاريخ الكويت والأكثر محاصرة للصحافي بسبب المبادئ التي وضعتها محكمة التمييز، في ظل الفراغ الذي تركه القانون الجديد، والسبب هو التعجل في إصداره، أن يفتح سقف التراخيص الصحافية، وفي المقابل يطلق عنان الشكوى لكل هب ودب حتى وزارة الإعلام، والضحية في النهاية هي المطبوعات الصحافية.

ومن ينظر لمعدلات القضايا التي كانت ترفع سنوياً على الصحف الخمس قبل إصدار القانون، يرى أنها لم تتجاوز في السنة الواحدة وفي ظل عقوبة الحبس الـ100 قضية، بينما اليوم وفي ظل القانون الحالي تجاوزت القضايا في السنة الواحدة حاجز الـ800 قضية حتى ولو تمت زيادة عدد المطبوعات الصحافية إلى 15 مطبوعة يومية، بل ان الأحكام التي كانت تصدرها المحاكم في ذلك الوقت الأغلبية منها كانت تصدر بالبراءة، بينما اليوم نجد أن أغلبية الأحكام تصدر بالغرامة، وهي ليست كالغرامة الهينة، فالمشرع وضع حداً أدنى للعقوبة بتغريم الصحافي 3 آلاف دينار، ورئيس التحرير 3 آلاف دينار، أي أن كل قضية قد تكلف الصحيفة مبلغ 6 آلاف دينار، وهي لا تذهب إلى خزينة الشاكي المتضرر وإنما إلى خزينة المال العام، وعلاوة على هذا المبلغ يأتي القضاء المدني ويلزم الصحيفة ممثلة برئيس تحريرها والصحافي بمبلغ أكبر من هذا في كثير من الأحيان، وبالتالي فمن يملك ترخيصاً صحافياً فعليه أن يملأ جيبه جيداً قبل أن يصدر ذلك الترخيص، وإلا فعليه السداد لكل من هب ودب وحتى وزارة الإعلام التي أعطتها محكمة التمييز أحقية تقديم الشكاوى من تلقاء نفسها وتحت مبرر أنها توقع المخالفات!

وأخيراً جاءت محكمة التمييز واعتبرت أن العقوبات التي يتعين إيقاعها على الصحافي لابد أن تكون ما بين البراءة أو الإدانة ولا يمكن توقيع عقوبة تقرير الامتناع عن العقاب، بل ان محكمة التمييز ذهبت إلى أبعد من ذلك، وبسبب الفراغ الكارثي في القانون من أنه لا يعتد بالتنازل المقدم من الشاكي في الدعوى الجزائية، وإنما يؤخذ بالتنازل في الدعوى المدنية فقط، وبالتالي فالصحافي يترحم على حاله إن وصلت دعواه أمام القضاء الجزائي حتى ولو تنازل صاحب الشكوى في ما بعد.

لقد زادت محكمة التمييز في رؤيتها الواسعة وبسبب الفراغ الكارثي للقانون من أن جرائم السب في قضايا جنح الصحف لا يشترط أن تكون مقامة من شخص المجني عليه، وهي ليست من جرائم الشكوى رغم وضوح هذا الأمر في القواعد العامة للقانون الجزائي من أن جرائم السب هي من جرائم الشكوى، لكن لا أحد يلطم إلا على القانون!

رغم حداثة التشريع الصادر في 2006 فإن التعجل في إصداره كان من قبل السادة أعضاء مجلس الأمة بوقت لم يتجاوز 5 دقائق من التصويت، ومن يتحمل كوارث هذا القانون هم الصحافيون أنفسهم ويتعين عليهم الترحم على القانون القديم، في ظل محاولات الحكومة، ممثلة في وزارة الإعلام، رفع سقف العقوبة إلى أكثر من السقف العالي حالياً، وحينئذ سيتعين على الصحف إلزام الصحافيين والكتاب كتابة إقرار على أنفسهم يفيد بتحملهم التعويضات الصادرة بدلاً من الصحف!