آمال ومن السَّمار ما قتل

نشر في 11-06-2009
آخر تحديث 11-06-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي القلم يرقص في يدي، وقد أعذر من أنذر، وصديقي "شهر يوليو المبارك" يضع اللمسات الأخيرة على وجهه في غرفة الماكياج قبل الصعود على خشبة المسرح، وأنا والجمهور ننتظره على أهبة التصفيق والأحضان.

وقد يصحبني صديقي يوليو إلى قارة إفريقيا هذه السنة، وقد يصحبني إلى غيرها، هو حر، وأنا جاهز للسعسعة واللفلفة على الفنادق والأحراش، لا فرق، وإن عزفت لي مقطوعة لفاغنر أو بيتهوفن أو شوبان فسيحلّق بي الخيال، وإن استدنيت الربابة وغنيت لي فسأغني معك، وقارة إفريقيا لا أعرف فيها إلا ابنتها المحروسة مصر، أحفظها وأسمعها (شدّ حرف الميم ناحيتك شوي)، أما المغرب فقد زرته على أن أمكث فيه أسبوعا من أربعائه إلى أربعائه، لكنني نفدت بجلدي، أو ما تبقى من جلدي، وهربت بعد أقل من 48 ساعة، حفاظا على قيمة الجمال في عيني وعقلي، ولن أشرح أكثر كي لا أغضب أصدقائي المغاربة، وليبيا زرتها في غفلة من العقل "زوز أيام"، أي زوج من الأيام، وأقسمت يمينا ويسارا ألّا أكرر غلطتي، والدولة الأخيرة هي السودان...

وكنت تلقيت دعوة من الأديب الكبير عبدالعزيز البابطين لمرافقته إلى السودان لتكريمه من قبل الرئيس السوداني، وكانت القافلة الكويتية المتجهة إلى السودان تتكون من مجموعة من الزملاء، منهم رئيس تحرير، ورئيس عمود صحافي، وشيخ دين هو الدكتور خالد المذكور، على أن أجملنا بلا منازع كان الزميل "أبا إياد"، الدكتور شملان العيسى.

ووصلنا إلى الخرطوم، وبعد الاستقبال ومأدبة الغداء والذي منه، "مضى كلّ إلى غايته"، وغايته هي غرفة نومه، على أن نلتقي السادسة مساء في بهو الفندق، قبل حفل التكريم بساعة، ونمت ولم أستيقظ إلا بعد التكريم، ووصلت إلى موقع الحفل بعدما تسلم البابطين الوسام، وعيون الضيوف العرب والسودانيين شاخصة تجاهي، كلها تراقب هذا القادم المتبختر، وأجلسوني بين ثلاث سودانيات، وشعرت بحقد "أبي إياد" وغيرته من على بعد.

واحلوّت الجلسة، والشغيغات حديثهن يجلي الهمّ، الله على الجمال الأسمر، والله على بداية كل جملة تقولها الجالسة على يساري: "تصدّغ"، أي: تصدّق؟، فأرد: "أصدّغ"، وتبدأ موضوعها، وأنا مصدّغ على الآخر، وشملان العيسى يطقطق أصابعه من هناك فأبتسم له، والابتسام في وجه المسلم صدقة، أبتسم وأكسب حسنة وأغيظ شملان وأجالس ثلاث نساء تفوح عطوراتهن لتملأ سماء الحفل، ما هذا العز وما هذه النغنغة، يبدو أنني سأراجع قناعاتي بخصوص السُّمر، الله على السُّمر وجمالهن... ومن السّمار ما قتل يا صاح.

لكن الحظ المنحوس يطلع لي في كل متعة، من شق في الحائط يطل، من تحت الكرسي ينط، يقفز كما الدولفين من العمق إلى السطح، وقبل ان يرتد إلي طرفي، كما جنّي سليمان! فبعد أن "ارتخت" الحفلة قليلا و"مغّطت ظهرها"، وتبادل الناس السلامات والكراسي، جاءت من هناك سيدة، اللهم يا كافي، الثلث المعطل الخالق الناطق، وجلست بقربي! تفرست في وجهها فارتعبت، سفاحة، أسنانها تفسح الطريق أمامها، وراحت تحدثني وعيناها على بطني، وانتابني رعب من أن تغرس أسنانها في بطني وتنتزع كليتي، وفكرت ان أعرّفها على شملان العيسى: "الرجل ذاك لديه ثلاث كلى، كلية تنطح كلية"، لكن شملان وراه عيال، والأخت الفاضلة تتحرك كثيرا، وكلما تحركَت وضعت أنا يدي بحركة سريعة لا إرادية على كليتي، وصرخت: "صلي على النبي"، واعتفس المزاج، ولا أدري أين اختفت الأخت تصدّغ؟... والسودان أوله جميل وآخره مخيف، أوله تصدّغ وآخره كلّ مسؤول عن كليته.

والصيف هذا، يعن الخاطر على جنوب إفريقيا، لكن المروءة تمنعني من تجاوز إثيوبيا، أرض الحبشة، أرض البن الهرري، أرض الشعب الخلوق، الشعب الشغوف بالمتع والسهر والغناء والرقص كما هي حال زائرهم... فتعطري يا أديس ابابا وارتدي الضيق الطويل المفتوح على الجنب... مسافة السكة، سأرقص الدبكة قليلا وسآتي...

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top