تناولت في مقالي الاثنين الماضي الأغلبية المتطلبة لإقرار قانون القروض إذا تم رده، وقلت إنها أغلبية الثلثين سواء كانت إعادة النظر أول مرة في دور الانعقاد القادم أو في دور الانعقاد الحالي، وهو ما يخالفني فيه البعض الذي يرى أن أغلبية الثلثين لا يتطلبها المشرع الدستوري إلا إذا أعيد النظر في القانون في دور الانعقاد ذاته الذي تم إقرار القانون فيه، أي في الدور الحالي فقط الذي تم فيه إقرار قانون القروض.

Ad

إلا أن الصديق الذي خالفني الرأي، قابلني بعد نشر المقال مصراً على رأيه ومحاولاً إقناعي به من خلال الاستدلال بالحكمة من اشتراط أغلبية الثلثين، والتي يراها عدم التسرع في إعادة النظر في المشروع الذي تم رده في دور الانعقاد ذاته الذي أقر فيه المجلس المشروع، لأن الأعضاء لايزالون متأثرين برأيهم الذي صوتوا على أساسه عند إقرار المشروع، أما في دور الانعقاد التالي فقد انقضت فترة طويلة تتيح لهم الفرصة الكافية لدراسة متأنية لأسباب الرد ووزنها غير متأثرين برأيهم السابق.

ومع احترامي وتقديري لصاحب هذا الرأي، فإن ما قاله لم يقنعني بالعدول عن رأيي لسببين أولهما: أن النصوص تدور وجوداً وعدماً مع علتها لا مع حكمتها، والمادة (66) تشترط أغلبية الثلثين عند التصويت أول مرة على المشروع الذي تم رده، وتكتفي بموافقة أغلبية الأعضاء عند إعادة التصويت عليه للمرة الثانية، فالعلّة هنا، ومناط تطبيق حكم أغلبية الثلثين هي أن يكون تصويت المجلس أول مرة على مشروع القانون الذي تم رده، وليست العلة هي أن يكون التصويت في دور الانعقاد ذاته الذي أقر فيه المجلس مشروع القانون، وأن النص على امتناع النظر في القانون في دور الانعقاد نفسه، إنما ينصرف إلى دور الانعقاد الذي صوّت فيه المجلس أول مرة على المشروع بعد رده، وهو النهج الذي انتهجه الدستور بالنسبة إلى الاقتراحات بقوانين التي يقدمها الأعضاء والتي يمتنع تقديمها ثانية في دور الانعقاد ذاته الذي تم رفضها فيه إعمالاً للمادة (109) من الدستور.

أما السبب الثاني، فهو أن هذه الحكمة تنتفي تماما إذا دعا المجلس إلى دور انعقاد غير عادي بعد أقل من شهر من إقرار مشروع القانون الذي تم رده، إذا كان قد تم إقرار مشروع القانون في نهاية دور الانعقاد العادي السابق، كما تنتفي الحكمة كذلك إذا تم إقرار مشروع القانون في دور انعقاد غير عادي، سوف يفض بالضرورة بعد إقراره، فلا يكون من سبيل لإعادة النظر في القانون إذا تم رده، إلا في دور الانعقاد العادي التالي، الأمر الذي يفوِّت في الحالتين الحكمة من النص، فلم تمض أي فترة كافية للتروي في إصدار قرار المجلس عند إعادة التصويت على المشروع الذي تم رده.

وفي سياق تناول الأغلبية المتطلبة لإقرار مشروع القانون الذي تم رده، فقد طرح سؤالٌ حول مدى انطباق الفقرة الأخيرة من المادة (97) من الدستور عند إعادة النظر في مشروع تم رده، وهي الفقرة التي تقضي بأنه "وعند تساوي الأصوات يعتبر الأمر الذي جرت المداولة في شأنه مرفوضاً".

وفي رأييّ أن هذا الحكم هو حكم عام ومطلق، والأصل في الحكم العام أن يسري على عمومه، وفي الحكم المطلق أن يجري على إطلاقه.

ومن ثم يسري حكم الفقرة الثانية على حالات الأغلبية العادية وحالات الأغلبية الخاصة، إلا إذا تعارض تطبيق هذا الحكم في الأغلبية الخاصة ذاتها، باعتبار أن الحكم الخاص يقيّد الحكم العام وليس العكس، فلا يسري الحكم العام الوارد في الفقرة الأخيرة من المادة (97) من الدستور على رفض إقرار المراسيم بقوانين، لأن رفضها يتطلب، وفقاً للمادة (114) من اللائحة الداخلية للمجلس "أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ومن ثم لا يكفي لرفضها تساوي الأصوات.

أما إعادة النظر في مشروع قانون أقرّه المجلس ورده الأمير، فإن الدستور قد تطلب أغلبية خاصة لإقراره، ولم يتطلب أغلبية خاصة لرفضه، على غرار المادة (114) من اللائحة الداخلية للمجلس، ومن ثم يسري في هذه الحالة الحكم العام المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة (97) من الدستور.

ويعزز ذلك أن رفض إقرار المرسوم بقانون بعد رده من سمو الأمير، عند نظره لأول مرة، سوف يستتبع سقوط مشروع القانون، فلا يمكن لملجس الأمة أن يعود لنظره في دور انعقاد تالٍ، لإقراره بأغلبية أعضائه، لأن الساقط لا يعود.

فضلاً عن أن الدستور في المادة (66) لا يوجب على المجلس إعادة النظر لمرة ثانية في مشروع قانون رده الأمير ولم يحصل على أغلبية الثلثين اللازمة لإقراره عند إعادة نظره أول مرة، بل كل ما رتبه الدستور على ذلك ما قررته المادة (66) من الدستور، من أنه "فإذا لم تتحقق هذه الأغلبية امتنع النظر في دور الانعقاد نفسه".

أي أنه إذا لم تتحقق الأغلبية اللازمة لإقرار القانون الذي تم رده عند إعادة النظر فيه لأول مرة، لا يترتب على ذلك سوى قيام مانع من إعادة النظر فيه في دور الانعقاد نفسه، فإذا انقضى دور الانعقاد زال المانع، وعاد الممنوع، أي يسترد المجلس كل سلطته في إعادة النظر فيه لمرة ثانية، دون إلزام عليه في ذلك.

ولكن يشترط لكي يسترد المجلس سلطته الدستورية في إعادة النظر فيه لمرة ثانية، ألا يكون قد قام مانع آخر من ذلك، بأن يكون المجلس قد رفضه في المرة الأولى، عندما لم يحصل على الأغلبية اللازمة لإقراره، أي أن الأمر لم يقتصر على عدم تحقق هذه الأغلبية، بل تعداه إلى رفض إقراره، وهو الرفض الحكمي المستفاد من تساوي الأصوات، عند التصويت على إقراره.

وإذا كان الأمر كذلك، عند تساوي الأصوات، فإن الأمر يبدو من باب أولى، عند رفض إقرار مشروع القانون الذي تم رده عند إعادة النظر لأول مرة، إذ إنه سيكون رفض مشروع القانون لا بتساوي أصوات القبول من ناحية وأصوات الرفض من ناحية أخرى، بل بزيادة عدد الأصوات الرافضة لمشروع القانون على عدد الأصوات التي تقره، بما يفصح عن رفض صريح لمشروع القانون.