إيران والإمارات: أيتهما أساءت الفهم؟!
في معرض إجابته عن سؤال حول الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى التي تحتلها إيران منذ عام 1971 قبل قيام دولة الاتحاد، قال الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي: إن احتلال أي أرض عربية هو احتلال، وليس سوء فهم، ولا فرق بين احتلال إسرائيل للجولان أو لجنوب لبنان أو للضفة الغربية أو غزة، فالاحتلال هو الاحتلال، ولا توجد أرض عربية أغنى من أرض عربية أخرى. وأضاف وهو يخاطب المجلس الوطني الاتحادي «كإماراتي لا بد أن أكون بل وكل إماراتي، أكثر حساسية لاحتلال جزء من الإمارات من أي أرض عربية أخرى، وإلا سيكون المرء كمن يكذب على نفسه»، واستطرد– محترزاً– إنه لا يقارن بين إسرائيل وإيران، إلا أن الاحتلال هو الاحتلال، فهو غير قانوني في العرف العربي كما هو غير قانوني إسلامياً ودولياً، موضحاً: أن إيران تقف موقف المتعنت الرافض لكل مبادرات الإمارات لحل القضية بالتفاوض المباشر أو التحكيم الدولي.
ودعا الشيخ عبدالله مواطني بلاده إلى التفكير بشكل مختلف لدعم «إخوتهم المواطنين في جزيرة أبوموسى على وجه الخصوص، لأن إمكانية التواصل معهم معدومة تحت الاحتلال الإيراني الذي يمنع إيصال المساعدات ومواد البناء والخدمات الأخرى»، ووجه الشيخ عتابه إلى وسائل الإعلام كافة والمحلية خاصة، لعدم تسليط الأضواء على وضعية مواطني الجزر الثلاث الواقعة تحت الاحتلال الإيراني الذي لا يوفر أي مساعدات للمواطنين فيها. هذا الحديث الواضح والصادق والصريح الذي يضع النقاط فوق الحروف من قبل المسؤول الإماراتي الكبير، الذي عرف عنه السعي إلى تطوير العلاقات القائمة بين بلاده والجارة الكبرى المسلمة، لتصبح علاقة صحية ناضجة وقوية، قوامها الثقة وحسن الجوار والمصالح المتبادلة والنفع المشترك على الشعبين الجارين، أغضب الحكومة الإيرانية، فثار أحد مسؤوليها وحذر الإمارات من تكرار هذه التصريحات ونصح بالدقة في العبارات، وهدد من غضب الشعب الإيراني! ترى ما الذي أغضب هؤلاء في حديث وزير الخارجية الإماراتي حتى يصفوه بأنه «تصريحات غير مدروسة»؟! إنه صورة التشابه أو «مقارنة الجمهورية الإسلامية بالكيان الصهيوني» بحسب تعبير المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، لكن السؤال: هل قارن المسؤول الإماراتي الكبير، إيران بإسرائيل أم قارن احتلال أرض عربية من قبل إيران باحتلال أرض عربية من قبل إسرائيل؟كان وزير الخارجية الإماراتي واضحاً في تصريحاته، فهو لم يقارن إيران بإسرائيل ولم يشبهها بها كما توهم المسؤول الإيراني الغاضب، إذ هو دبلوماسي عريق، عف اللسان ومهذب يتوخى الدقة في عباراته وألفاظه، ولا يمكن أن يسيء إلى إيران أو إلى أي دولة أخرى، وهذا إرث ثقافي وأخلاقي مشترك بين أبناء المغفور له الشيخ زايد، لقد كان واضحاً وحريصاً ودقيقاً حينما أكد أنه «لا يقارن بين إسرائيل وإيران» وهذه جملة احترازية تعمدها في تصريحاته حتى لا يساء فهمه، حديث الوزير الإماراتي لم يأت في معرض المقارنة بين الدولتين إيران وإسرائيل، إنما في معرض نفي التفريق بين أرض عربية محتلة من إيران وأرض عربية أخرى محتلة من إسرائيل من حيث القيمة والأهمية، فالأرض العربية واحدة إذ لا فرق بين الجولان أو جنوب لبنان أو الضفة أو غزة وجزر الإمارات الثلاث. وهو– أي الشيخ عبدالله– كإماراتي لا يستطيع أن يغالط مشاعره في أن أهمية الجزر المحتلة لا تقل عنده وعند كل الإماراتيين، عن أهمية أي أرض عربية أخرى محتلة، لذلك يجب تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية، فالاحتلال هو الاحتلال، لا يتغير وصفه باختلاف جنسية أو دين المحتل، فاحتلال إيران للجزر الإماراتية هو «احتلال» وليس «مجرد سوء فهم» كما تدعي إيران، وكما يردد مسؤولوها الذين دأبوا على تصوير الخلاف بين إيران والإمارات بأنه مجرد سوء فهم. تصريحات الوزير الإماراتي مدروسة تماماً، لكن المسؤول الإيراني هو الذي تسرع وانفعل وحذر وهدد ووقع في «سوء الفهم» دعونا نتساءل: ما مناسبة تصريحات الشيخ عبدالله؟ وما أهدافها؟ أما المناسبة فقد جاءت التصريحات رداً على سؤال مقدم من قبل عضو في المجلس الوطني الاتحادي «البرلمان» وذلك خلال جلسة استماع نظمها المجلس لمناقشة سياسة الوزارة لملف الجزر المحتلة، أما أهداف التصريحات فيمكن إيجازها فيما يأتي: أولاً: يهدف المسؤول الإماراتي الكبير وبالدرجة الأولى إلى تحسين وتقوية علاقات بلاده بإيران كما أسلفنا، وذلك عن طريق تنقية هذه العلاقات مما يكدرها من علاقة سلبية ممثلة في احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، وبشكل سلمي وهادئ، عبر التفاوض المباشر أو التحكيم الدولي، وذلك لمصلحة إيران والإمارات والدول العربية، أكد الشيخ عبدالله بأنه معني بتحسين وتطوير العلاقات، لكن عدم تجاوب إيران ليس فقط معطل لتحسين العلاقات الإماراتية الإيرانية بل أيضاً معطل للعلاقات العربية الإيرانية. الإمارات العربية حريصة على علاقات حسن الجوار مع إيران كونها أكبر شريك تجاري لها، كما تحتضن الإمارات 400 ألف إيراني ينعمون بالعيش فيها، والسياسة الخارجية الإماراتية واقعية وعقلانية تمتاز بالقدرة على تحييد واحتواء هذا العامل السلبي المتمثل في الاحتلال وتداعياته على مجمل مكونات العلاقات القائمة، إذ لا تسمح لعلاقة سلبية واحدة مهما كانت مؤلمة على نفوس الإماراتيين، أن تجب العلاقات الإيجابية الأخرى مع إيران، أو تنعكس بالسلب على الجالية الإيرانية في الدولة، ولعلها سمة إيجابية فريدة في تاريخ العلاقات الدولية.ثانياً: الهدف الثاني كما أتصوره في حديث الشيخ عبدالله، هو تفنيد أو تفكيك مقولة دعائية، يروجها «لوبي» عربي نشط، مفتون بالسياسة الإيرانية في المنطقة، مكون من صحفيين مؤدلجين وكتاب مضللين وجماعات دينية مسيسة وميليشيات ممولة من إيران، هذا اللوبي أشبه بكتيبة جندت نفسها للدفاع عن طموحات إيران في المنطقة، وتبرير تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية بحجة المقاومة والتصدي لإسرائيل والمخططات الأميركية!لهذه المقولة الدعائية: منطوق ومفهوم، أما المنطوق فهو أن إيران حامل لواء المواجهة ضد المخاطر الخارجية والداعم الرئيس للقضية الفلسطينية، لذا على العرب والخليجيين دعم إيران والوقوف في صفها والدفاع عنها، أما مفهوم المقولة: فيطالبنا بالكف عن الحديث عن أطماع إيران وطموحاتها وعن خطورة إيران على الخليج، كونها دعاية أميركية مغرضة، كما أن علينا التركيز على خطورة إسرائيل وأميركا على المنطقة والتغاضي عن الأخطاء الإيرانية المتمثلة في تهديداتها واستفزازاتها والتهوين من شأن الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية، إذ هو خلاف جانبي ناشئ عن «سوء فهم» يمكن حله ودياً، وكل ذلك في سبيل القضية الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين الكبرى. يأتي هذا الحديث لينقض هذه المقولة وليقول: إن الاحتلال هو الاحتلال سواء أتى من عدو أو صديق، وقديماً قال العرب: "وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس"، إذ لا يمكن باسم فلسطين أن يغتصب الجار المسلم حقوقنا! ومن يتسامح في حق بلاده يتسامح في حق غيره، وصدام حسين حين غزا الكويت برره بتحرير فلسطين، ويبقى أن نضيف أن إيران إذ تقف متعنتة في وجه حل الخلاف، فإنها أيضاً تمنع أي نوع من التواصل مع سكان الجزر وترفض إيصال أي نوع من المساعدات أو الخدمات لهم، وقد تحدثت تقارير عن تهجير سكان الجزر الأصليين من العرب وإحلال آخرين غير عرب محلهم بالإضافة إلى مشاريع محو الهوية والطابع العربي للجزر. وختاماً: لعل أبرز النتائج المترتبة على هذه التصريحات، نسف مقترح الأمين العام للجامعة على قمة سرت والذي طالب فيه بإنشاء «رابطة الجوار العربي» شاملة لإيران وتركيا وتشاد، إذ إن أول مقتضيات ذلك أن تحل إيران قضية الجزر المحتلة، وفضلاً عن ذلك فهذا المقترح لم يكن موفقاً بسبب التوقيت السيئ، فإيران وبسبب برنامجها النووي معرضة لسلسلة من العقوبات الاقتصادية المشددة، وحكومتها اليوم تعاني عزلة رهيبة: داخلياً وخارجياً، ومن شأن الرابطة أن تتورط الدول العربية في مشاكل إيران مع المجتمع الدولي.*كاتب قطري