نووي الأغنياء ونووي الفقراء

نشر في 19-04-2010
آخر تحديث 19-04-2010 | 00:00
 محمد صادق الحسيني ثمة من وصف مؤتمر واشنطن للأمن النووي بأنه مؤتمر «الأغنياء والمهيمنين» فيما أطلق على مؤتمر طهران لنزع السلاح النووي بأنه مؤتمر «الفقراء والضعفاء».

فبينما قام مؤتمر واشنطن بتقنين وشرعنة حيازة الدول الكبرى للسلاح النووي ومنعه عن الضعفاء حتى إن نعتهم بالإرهابيين، فإن مؤتمر طهران كان يطالب عمليا بلقمة العيش في حدها الأدنى دون إملاء شروطها عليه من جانب الأقوياء الذين يفاوضون الفقراء، وهم مدججون بالترسانات النووية.

ولكن ماذا بعد براغ وواشنطن وما سمي بمنع التهديد النووي «الإرهابي» من جهة، والتهديد باستخدامه ضد دول عضوة في الأمم المتحدة من جهة؟ ولماذا التركيز على طهران بالذات من جهة أخرى باعتبارها الخطر الأكبر والداهم، الذي ينبغي أن يعزل بنظر واشنطن وتل أبيب، وألا يسمح له بكسر «المحرمات النووية».

«رغم أن أوضاع أفغانستان والعراق مأزومة جدا ومثيرة للمصاعب الجمة، فإن إيران هي من تسلب النوم من عيوني...». هذا الكلام لبترايوس قائد القوات الأميركية في المنطقة المركزية دليل جديد على أن الجشع الإمبراطوري الأميركي لايزال يبحث عن «الجائزة الكبرى» أي الإمساك بإيران.

ويكذب بترايوس على عادة زملائه ومسؤوليه الأميركيين سواء أولئك الذين سبقوه أو الذين لايزالون يزاولون أعمالهم على رأس قيادته أو إلى جانبه، إذ يبرر ذلك بالقول: «إن دوافع قلقنا من إيران إنما يتأتى في الواقع بسبب زيادة منسوبها من الأنشطة النووية وممارساتها غير المحسوبة ...».

لكن بترايوس ورغم مغالطته هذه، والتي سنأتي إليها لاحقا، فإنه سرعان ما «يبق البحصة» كما يقول المثل فيضيف: «إن إيران لا تكتفي بذلك فهي تدعم الحركات الإسلامية مثل «حزب الله» و«حماس»، وهذا ما يزيد من قلقنا تجاه حلفائنا في المنطقة لاسيما إسرائيل والدول العربية ...».

قبل أيام عقدت حكومة الولايات المتحدة الأميركية مؤتمرا دوليا قالت إن هدفه منع من سمتهم بالإرهابيين من الوصول إلى السلاح النووي، وبالتالي أرادت الإيحاء بأنها هي الوكيلة الشرعية نيابة عما يسمى بالمجتمع الدولي لحماية العالم من التهديد النووي الإرهابي.

لا أحد في العالم بالطبع صدق ذلك بمن فيهم من حضروا هذا المؤتمر، وهو المؤتمر الذي أثبت فشله وعدم فاعليته بالتمام والكمال، وذلك للأسباب التالية:

أولا: أن أول من صنع القنبلة الذرية هو الولايات المتحدة الأميركية.

ثانيا: أن أول من استخدمها ضد المدنيين الأبرياء هو الولايات المتحدة الأميركية.

ثالثا: أن الوحيد الذي لايزال يهدد بها الآن هو الولايات المتحدة الأميركية.

رابعا: يبلغ مخزون العالم الذي يسمي نفسه بـ«المتقدم والمتمدن» ما لا يقل عن عشرين ألف رأس نووي، نصفها مكدس في مخازن الولايات المتحدة الأميركية.

خامسا: كيف تسمح هذه الدول «المتقدمة والمتمدنة» لنفسها أن تضع ترسانة من الأسلحة النووية المدمرة بيد مجموعة من الميليشيات المتشكلة في إطار دولة الإرهاب المنظم؟

سادسا: منذ أن فكر العرب والمسلمون وآخرهم إيران باللجوء إلى خيار استخدام علوم الذرة وتقنياتها المتقدمة للأغراض السلمية وهذا الغرب يكذب على العالم، بالإيحاء بأن الطاقة النووية تساوي السلاح النووي.

سابعا: رغم آلاف الزيارات المفاجئة منها وتلك الدورية المتفق عليها سلفا من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المنشآت الإيرانية بأنشطتها المتعددة، لم يصدر تقرير واحد يتهم إيران بما يسمونه بالانحراف.

أي النشاطات الإيرانية إذن تلك التي سلبت النوم من بترايوس وزملائه؟!

جزء من الإجابة ستجده في كلام بترايوس نفسه والجزء الآخر نجده فيما يحصل اليوم من سباق زمني متسارع بين الدول الحرة والمستقلة، وتلك التي تريد إبقاء احتكارها لكل أشكال الهيمنة على المقدرات العالمية.

وإليكم بعضا منها:

أولا: أن بترايوس نفسه يقول إن إيران تدعم حركات التحرر في فلسطين ولبنان، وهذا يعني تهديدا مباشرا بنظره لأمن إسرائيل، وهذه جريمة لا تغتفر في حسابات الأميركيين.

ثانيا: أن بترايوس يزعم بأن نشاطات إيران النووية تتزايد.

ثالثا: بما أن بترايوس يمثل الدولة العظمى في العالم برأيه، فإن تجرؤ إيران على امتلاك التكنولوجيا النووية من دون إذن الأميركيين، يعتبر تغريداً خارج سرب المنتصرين في الحرب العالمية الثانية.

رابعا: أن تشكل إيران دولة نووية سلمية بقدرات محلية ووصولها إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في توفير الوقود النووي اللازم لتشغيل منشآتها النووية في المستقبل يعني استغناءها تماما، عن الابتزاز المحتمل والمتوقع من قبل الدول الكبرى المالكة لهذه التقنية.

خامسا: أن تنامي قوة الدول المستقلة والحرة في مجالات العلوم المختلفة وفي طليعتها الطاقة النووية، سيمنح هذه الدول مكانة متميزة ورفيعة في المعادلة الدولية. وقد يكون هنا بيت القصيد فيما لم يفصح عنه بترايوس.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top