أُعلنت نتائج الثانوية العامة أمس الأول، وحصّد كل مجتهد نصيبه من النجاح والتفوق، وأعاد المقصر حساباته ليكيِّف ما جناه مع ما يتطلع إليه من مستقبل. وكما تعودنا في مثل هذا الوقت في السنوات الأخيرة تنتشر على اللوحات الإعلانية في الطرق العامة ووسائل الإعلام المختلفة إعلانات لجامعات خاصة لتشجيع الطلبة للانضمام إليها في ظاهرة لا يوجد لها شبيه في الدول المحترمة، إذ إن التعليم الجامعي هناك يعامل كمؤسسات أكاديمية ذات دور وطني مميز سواء كانت عامة أم خاصة بعيداً عن أساليب السلع والخدمات التجارية.
ولكن في الكويت، للأسف، فإن كل شيء يحوَّل إلى تجارة و»بزنيس»... فتجد جامعات خاصة مدرجة في البورصة ضمن شركات استثمارية وخدماتية، وهو أيضاً أمر لا يوجد له مثيل، فالجامعات الأوروبية والأميركية العريقة هي مؤسسات مجتمعية أنشأتها مجموعات من المؤسسين الواهبين والمتبرعين، أو مؤسسات اقتصادية أو بحثية كبرى ولا يوجد بتاتاً من ضمن أهدافها الربحية، بل إن أرباحها دائماً ما تضخ لتمويل أبحاثها العلمية وتطوير منشآتها ومختبراتها. ولكن بالنسبة للجامعات الخاصة فإن الوضع لدينا مختلف، فــ»البزنيس» «حامي» والمصاريف «نار»، وبرنامج البعثات الداخلية الحكومي «يبيض» ذهباً لتلك الجامعات لابتعاث طلبة لهم يدرسون بنسبة 95 في المئة تخصصات أدبية تزيد أعداد جيش البطالة المقنعة في الدولة، ولكم أن تتصوروا أنه بعد عشر سنوات من إصدار قانون الجامعات الخاصة والعمل به، لا توجد جامعة خاصة لديها كلية متخصصة في الطب أو الهندسة أو العلوم أو البترول على مستوى درجة البكالوريوس! وأن الغالبية هي لإدارة الأعمال وعلم النفس وطرق التدريس وأقسام متواضعة للمعلوماتية وهندسة الكمبيوتر. تفسير ذلك معروف لأن التخصصات العلمية تحتاج إلى مختبرات وكوادر أكاديمية مكلفة، والعقلية التي تدير جامعاتنا الخاصة عقلية تجارية بحتة تريد أقل التكاليف وأعلى الرسوم لتحقيق الأرباح التي ترفع السهم في البورصة!فالتخصصات الأدبية تحتاج فقط إلى قاعة صغيرة ودكتور من الدول العربية أو من كوادر الصف الثالث في أوروبا أو أميركا أو حتى شرق آسيا! ومكتبة متواضعة، ولايهم ما هو مصير الآلاف الذين سيتخرجون بعد ذلك، خصوصاً إذا كانت الجهة الحكومية المشرفة على شؤون التعليم الجامعي الخاص غير معنية بإلزام تلك الجامعات بوجود كلية واحدة على الأقل من ضمن كلياتها متخصصة في برنامج علمي كالهندسة أو الطب أو العلوم الطبيعية كشرط لمنحها ترخيص العمل في البلد. وهو الأمر الموجود في معظم الجامعات الخاصة... فعلى سبيل المثال الجامعة الأميركية في بيروت تقدم برامج طبية للحصول على البكالوريوس، والجامعة الألمانية في القاهرة توفر باقة من التخصصات الهندسية... ولا يوجد جامعة خاصة متكاملة يقتصر نشاطها على البرامج الأكاديمية الأدبية.المؤسف أننا في كل مرة يجتهد فيها القائمون على إدارة البلد بفكرة أو تشريع لخدمة الكويت وتطوير شأنها، تجد هناك المتربصين ممَن يحولونه بسرعة إلى «آلة سحب مالي» من جيوب الناس والمالية العامة، حتى أصبحنا مخلوقات مالية نهمة لا تشبع ولا تمل من ابتكار طرق جمع المال. وبدلاً من أن نرى محاكاة لما يحدث في بعض الدول الأوروبية والأميركية من عائلات ثرية تهب مليارات من ثرواتها لإنشاء جامعات لأغراض غير ربحية، تتحول الجامعات الخاصة عندنا من مشروع نهضة أكاديمية يقدم لأبنائنا بدائل تعليمية عدة، إلى دكاكين تجارية تخرِّج لنا مزيداً من جيوش البطالة المقنعة.• رغم أن اليوم هو يوم التصويت على طلب طرح الثقة في وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد، فإنني توقفت عن الكتابة عن هذا الموضوع منذ أن أعلنت رأيي في الاستجواب في مقالة بعد تقديمه مباشرةً، لأنني في ضوء ما قرأته واطلعت عليه من آراء معتبرة، وجدت أن مادة الاستجواب مخالفة لحكم المحكمة الدستورية الخاص بتفسير المادة (100) من الدستور، ولأنني اعتقد أن الأغلبية سئمت من الجدل العبثي، وتريد ما ينفع من مواضيع يخص حياتها اليومية ومستقبلها بصدق، بعد أن شوهت ألاعيب السياسة وغاياتها التي تجاوزت حد المعقول، كل ما عندنا... بل إنها شرعت في تدمير كل شيء!
مقالات
جامعات خاصة... أم دكاكين تجارية؟!
01-07-2009