حسن الإمام المولود في مدينة المنصورة في 6 مارس (آذار) 1919، والذي رحل في 29 يناير 1988، وتتلمذ على يد يوسف وهبي، هو سيد السينما الميلودرامية. وإذا كان النقاد والمثقفون قد وجهوا إليه نقداً قاسياً، فليس لأنه مخرج رديء إنما لأنهم كانوا يرفضون السينما الميلودرامية، ويجدون فيه أكبر أقطابها وأول رموزها وأخطر صناعها!

Ad

كان الإمام يجيد صناعة هذه النوعية من الأفلام، فأصبحت على يديه ناجحة ورائجة، وهذا ما لم يكن يحبذه {خصوم} السينما الميلودرامية، لذا صبوا جام غضبهم عليه. كذلك كانوا يبالغون غالباً في قدحه ونعته بكل ما ينعتون به نماذج السينما المرفوضة المقيتة لديهم، بل وحمّلوه مراراً مسؤولية أزمة السينما المصرية وعثراتها وتدنيها وبعدها عن قضايا المجتمع الحقيقية...

الحقّ، أن حسن الإمام كان يبادلهم هجوماً بهجوم وتهكماً بتهكم، على نحو كان يبدو أكثر استفزازاً.

إنصافاً لمنتقدي سينما الإمام، نقول إن الميلودراما التي جنح إليها الإمام، أو تلك التي أطلق عليها الناقد الكبير د. علي الراعي في دراساته {الميلودراما الرشيدة}، لم تكن موفقة في حالات كثيرة... نعني الميلودراما التي يوظف المبدعون سماتها وقسماتها الخاصة، فيقدمون دراما شعبية قريبة من الناس.

لكن في هذه الحالة، توظيف هذه العناصر هدفه تقديم فن مطلوب مؤثر، يعبر الفنان الدرامي من خلاله عن رؤية تقدمية تنصف الإنسان وتساعده على فهم نفسه.

هنا يكمن دور الفن، والميلودراما في هذا المفهوم جزء حقيقي من الفن الحق. بعض هذا المفهوم موجود في أفلام للإمام، لكن ليس كلها، إذ كثر في أفلامه التي تقارب (مائة فيلم)، مفهوم توظيف الميلودراما لغرض تجاري، ولتغذية رؤية تصور الإنسان مغلوباً على أمره. لكن الإمام إلى جانب أفلامه الميلودرامية التقليدية المحدودة القيمة، قدم أفلاماً مميزة يحب الجمهور مشاهدتها لغاية اليوم، تميزت بروح فنية خاصة متوهجة، وبحرفية ناضجة، وبتأثير مستمر، على الرغم من دخولها في نوعية السينما ذاتها التي دأب على صنعها، طيلة مشواره الفني.

لعل أنضج فترات مشوار الإمام الفني كانت بين منتصف الخمسينات ومنتصف الستينات، منذ فيلم {الجسد} (1955) مروراً بـ {الخرساء} (1961)، {الخطايا} (1962)، {شفيقة القبطية} (1962)، {زقاق المدق} (1963)، {بين القصرين} (1964)، {إضراب الشحاتين} (1967)، {قصر الشوق} (1967).

بدأ الإمام بـ {ملائكة جهنم} (1946)، وختم بـ {بكرة أحلى من النهارده} (1986)، وفي هذه السنوات الأربعين ظل مخلصاً للسينما.

حتى بين السبعينات ومنتصف الثمانينات وهي فترة تراجع فنه فيها وأصيب بالوهن والضعف، قدم بعض أحسن أفلامه مثل {خلي بالك من زوزو} (1972) ، {السكرية} (1973)، {أميرة حبي أنا} (1974)، {العذاب فوق شفاه تبتسم} (1974). أما أفلامه التي تصل إلى حد الهزال فنذكر من بينها: {قمر الزمان} (1976) و{ميعاد مع سوسو} (1977) انتهاء بأواخر أفلامه مثل {بكرة أحلى من النهارده} في النصف الأول من الثمانينات، وحتى عندما قدم {عصر الحب} (1986) عن قصة نجيب محفوظ، لم يكن في المستوى الذي أخرج فيه روايات محفوظ سابقاً.

كذلك وصفت أفلام {زقاق المدق} و{بين القصرين} و{السكرية} لدى عرضها بأنها {تشويه} لأدب محفوظ، والحق أنه أصبح صعباً حتى على من أطلق هذا الوصف تكرار التعبير نفسه اليوم، لكن بالمقدور القول إن حسن الإمام أكد على خطوط موجودة بالفعل في ثنايا أدب محفوظ وسرده الدرامي، لكنه، بحكم مفهومه للفن، لم يستطع أن يقدم في السينما صورة شاملة تناظر أدب محفوظ الثري بالأبعاد والمستويات والمكوّنات.