لو أن الولايات المتحدة اتخذت موقفاً حاسماً، والمقصود هنا ليس الحرب، وتعاملت مع مسألة القدرات النووية الإيرانية بغير هذه الدبلوماسية المائعة لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، ولما بقي محمود أحمدي نجاد يستغل هذه المسألة كسلاح قومي لمواجهة أزمته الداخلية، إذ واصل الإصلاحيون ضغطهم عليه منذ الانتخابات الأخيرة التي حامت حولها شبهات كثيرة.

Ad

منذ البداية كان يجب أن تتَّبع الولايات المتحدة أسلوباً غير الأسلوب المتهاون المائع الذي اتبعته، والذي شجع إيران على أن تواصل مناوراتها وألاعيبها للاستفادة من عامل الوقت، والمضي في برنامجها النووي لتصبح الإنجازات التي تتحقق في هذا المجال أمراً واقعاً لا تملك أميركا ومن معها إزاءه إلا إما أن تُسلّم بهذا الأمر الواقع أو أن تلجأ إلى العمل العسكري، وتقحم المنطقة كلها في حرب مدمرة ستستخدم فيها حتماً الأسلحة غير التقليدية.

كان بالإمكان حلُّ هذه العقدة بالأصابع وبدون أن يصبح خيار اللجوء إلى العمل العسكري أمراً لا مفر منه، أما الآن وبعد أن بقيت إيران تستفيد من عامل الوقت، وبقيت تواصل مناوراتها بنجاح لا يمكن إنكاره، فإنه لم تعد هناك إمكانية إلا إمكانية اللجوء إلى الأسنان، وهذا معناه أن الميوعة الأميركية، حتى بالنسبة إلى حشد الضغط السياسي والتلويح بالعقوبات المؤثرة الحقيقية، قد جعلت الحرب خياراً لا مفر منه، وخصوصاً أن اثنين هما المستفيدان من مثل هذه الحرب، الأول هو محمود أحمدي نجاد، والثاني هو بنيامين نتنياهو.

يعتقد محمود أحمدي نجاد، وهو اعتقاد صحيح، أنه إذا استطاعت إيران أن تكون دولة نووية فإنها ستصبح بمستوى الدول العظمى، وهذا سيكرسه بطلاً قومياً فارسياً بلا منازع، وأنه إن استبقت أميركا هذا التحول بحرب "تلفزيونية" ضاغطة فإنه سيظهر بمظهر الرئيس جمال عبدالناصر بعد حرب السويس، وسيغدو رمزاً إسلامياً استطاع أن يهزم دولة الاستكبار العالمي ومعها إسرائيل والصهيونية العالمية.

ثم وفي الاتجاه ذاته فإن بنيامين نتنياهو يرى أنه لا يمكن التخلص من كل هذا الضغط العالمي، الذي يمارس عليه لحمله على الانصياع لاستحقاقات السلام، وأولها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، إلا بالحرب والقيام بعمل عسكري ضد إيران، فهذا سيعيد خلط أوراق هذه المنطقة من جديد، وسيغير أولوياتها، وسيخلق فيها معادلة غير المعادلة الحالية، تكون أرقامها الأساسية إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، ولا مكان فيها للموضوع الفلسطيني بصيغته الحالية.