لا يوجد مجتمع إلّا وبه فساد مالي وإداري بشكل أو بآخر.

Ad

وقد ظهرت حركات منظمة لمحاربة الفساد في العقدين الماضيين بسبب الدمار الذي يحدثه الفساد في المجتمع وإعاقته لأي حركة إيجابية.

وتواجهنا في استخدام المصطلح مشكلة المعنى المفهوم باللغة العربية لكلمة الفساد، فهي غالباً توحي بالفساد الأخلاقي فقط، أما عند الحداقة وأهل البحر فللفساد معنى آخر تماماً، إذ يدل على تغير في الريح، وتأثر في نوعية السمك، وقلما نجد المعنى من حيث الفهم بذات التركيز والوضوح كما في المصطلح الإنكليزي CORRUPTION.

وبما أن الفساد المالي قد انتشر في أيامنا هذه كانتشار النار في الهشيم، وأنه يحظى برعاية ودعم نافذين وربما مسؤولين كبار، فإن إمكانية الخروج من مأزق الفساد إلى التنمية الحقيقية تصبح أمراً مستحيلاً، وبما أن الطريق الوحيد يكمن في التعامل بجدية مع الفاسدين، وتقليم أظافرهم، وإيداعهم في الأماكن التي يستحقونها عبر منظومة تشريعية يتم تنفيذها بجدية، فإنه بدون ذلك التحرك، فإن أي حديث عن الاستقرار السياسي يكون عبارة عن أهازيج مملة تعزف لحناً على أوتار مهترئة لتخرج صوتاً نشازاً.

ولذا فإن إحدى الملاحظات اللافتة لزمن عبدالله السالم منذ بدايات الخمسينيات، أنه جرت محاولات حثيثة للتصدي للفساد ولتبديد أموال الدولة. سواء في تأسيس اللجنة التنفيذية العليا عام 1954، أو قضية الشركات الخمس وما جرى حولها من لغط ما اضطر الشيخ عبدالله السالم إلى إلغاء احتكارها وعقودها وترسيخ مبادئ أكثر شفافية. إلى قضية التثمين الذي بدأ في 1952 وحرك سُعار الاستيلاء على أراضي الدولة من خلال تزوير أو تحوير سندات الهبة حتى تدخل عبدالله السالم فأصدر قراراً تاريخياً بتأميم الأراضي عن طريق اللجنة سنة 1954 ثم عاد وأكده بأمر أميري عام 1956. أو قضية المناقصات ونظامها والدفع باتجاه الابتعاد عن التكسب السياسي وبالذات من خلال رفض العديد من الشركات البريطانية، أو قضية إنشاء مكتب الاستثمار الكويتي في لندن وطبيعة المفاوضات التي أفضت إلى إنشائه عام 1953 وإصرار عبدالله السالم على اعتبار تلك الاستثمارات ملكاً للشعب الكويتي وليست ملكاً شخصياً له. بالتأكيد سأتطرق إلى كل من تلك القضايا بمزيد من التفصيل كل على حدة بإذن الله.

وبغض النظر عن أنه لم يتم القضاء على الفساد خلال زمن عبدالله السالم، واستمر بصور وأشكال مختلفة سنبينها لاحقاً، فإنه كان واضحاً أنه كانت هناك إرادة سياسية تدفع باتجاه تحجيم الفساد ومحاصرته، وكان على رأسها عبدالله السالم، حتى قبل أن يكون هناك دستور.

أما في يومنا هذا، فمع وجود دستور ومؤسسات رقابية، كمجلس الأمة وديوان المحاسبة، ولجنة ميزانيات ولجنة مالية برلمانيتين، وقوانين لها أول وليس لها آخر، ووزارة مالية تدقق، وصحافة حرة "إلا ربع" وجمعيات نفع عام، وقوى سياسية، فإن كل الجهود، إن صدقت، تضرب "بوش"، والله المستعان.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة