غير متوقع بل إنه من المستبعد أن تنحاز دمشق، حتى بعد توقيع الاتفاق الدفاعي الأخير مع طهران، إلى إيران في حال اندلاع الحرب المتوقع اندلاعها في أي لحظة بينها وبين الولايات المتحدة أو بينها وبين إسرائيل أو بينها وبين الاثنتين معاً، فسورية تعرف تمام المعرفة أن هذه الحرب ليست حربها ولا هي حرب العرب ولا حرب القضية الفلسطينية، وأنها إن اندلعت فعلاً فإنها ستكون حرب الاقتتال على النفوذ الإقليمي في هذه المنطقة، أي بين أميركا وإسرائيل من جهة والجمهورية الإسلامية من جهة أخرى.
والمؤكد أن سورية تدرك وتعرف أيضاً أن الصراع المحتدم بين الإصلاحيين في إيران والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هو الذي يدفعه إلى التصعيد مع الولايات المتحدة ومع المجتمع الدولي، وأن الدافع هو تحويل قضية القدرات النووية إلى قضية أمة تُبْعِدُ الشعب الإيراني عن هؤلاء الإصلاحيين، وتلفهم حوله على أساس أنه بمواقفه المتشددة وعناده يمثل الكرامة والعزة القومية! إنه لم يعد خافياً أن هناك علاقات متنامية وواعدة بين سورية والولايات المتحدة، وهذا يعني أنه من غير الممكن بل والمستبعد أن تفرط دمشق في هذه العلاقات، التي تبني عليها آمالاً كبيرة سواء بالنسبة إلى مستقبل عملية السلام على مسار هضبة الجولان المحتلة أو بالنسبة إلى الدور الإقليمي الذي تتطلع إليه وترى أنها تستحقه في المنطقة، وأن تربط نفسها بمغامرات محمود أحمدي نجاد وبصراعاته وحروبه الداخلية. إذن، وهذا سؤال من المؤكد أن كثيرين يسألونه، لماذا تقبل دمشق توقيع هذا الاتفاق الدفاعي مع طهران وفي هذا الوقت بالذات، بينما تتزايد احتمالات المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة، بعد أن تدنت وعلى هذا النحو فرص حل أزمة القدرات النووية الإيرانية بالوسائل السلمية؟! بداية لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن سورية تريد من خلال هذا الاتفاق أن تعزز أوراقها التفاوضية مع إسرائيل بورقة جديدة، بعد أن كسبت ورقة تصدع أو تردي العلاقات التركية الإسرائيلية، وخصوصا أنها تستبعد اندلاع مثل هذه الحرب التي قد تتخذ طابعاً مدمراً بين الأميركيين والإيرانيين أو بين الإيرانيين والإسرائيليين، وأنها على قناعة بأن إيران قد تبقى تناور، وقد تدفع الأمور إلى شفير الهاوية، لكنها في النهاية إن أدركت أن خيار الصواريخ أصبح الخيار الوحيد فإنها ستتراجع حتماً في اللحظة الأخيرة. لقد أثبتت سورية، أكثر من مرة، أنها بارعة في لعب أوراقها المتعددة، الورقة الإيرانية والورقة الفلسطينية والورقة اللبنانية، ولهذا فإن ما هو أكثر من مؤكد أن توقيع هذا الاتفاق الدفاعي، وليس الحلف أو التحالف، المشار إليه وفي هذا الوقت بالذات، الذي يشهد تنامي علاقاتها مع أميركا وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي كلها، هو إحدى هذه الأوراق، أما الانجرار إلى حرب قد يسعى إليها محمود أحمدي نجاد، إن شعر بأنه قد يخسر معركته مع الإصلاحيين، فإن هذا غير وارد على الإطلاق بل إنه مستبعد بصورة مطلقة وكلية. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
اتفاق بعيد عن الحرب!
17-12-2009