الإشكالية أن الكثير من الشركات لم تتعلم من أخطاء الماضي، إذ لم تزل تمارس "عاداتها" القديمة في عمل "البروباغندا الإعلامية" ظناً منها أن الحلول تأتي من هذا الطريق، وتناست أنه لم يعد هناك ثقة بهذه الأخبار، وأن "المستثمر لا يُلدَغ من جُحر مرتين".

Ad

بالنظر إلى ما خلفته الأزمة المالية من تداعيات على جميع الصعد وآثارها السلبية على جميع القطاعات ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالاقتصاد، فلا تلام أو تؤنب المؤسسات المالية إن تفتق ذهن مسؤوليها ومديريها عن سياسات جديدة لتسويق أنشطتها في محاولة لإيجاد موقع قدم في ظل منافسة ضارية، نظرا للأوضاع الراهنة، بينها وبين شركات في القطاعات نفسها.

فكما بدأت الأنظمة الاقتصادية في العالم تنتهج أبعاداً جديدة بعد الأزمة المالية العالمية، وتعيد حساباتها وتلملم صفوفها لمواجهة هذا الخطر الداهم، فإن الكثير من الشركات المحسوبة على القطاعات المختلفة، وعلى مستويات إقليمية عدة بدأت هي الأخرى تنتهج سياسات جديدة من شأنها إعادة الحسابات ولملمة الصفوف، في محاولة للبقاء على قيد الحياة في مرحلة مقبلة أشد ضراوة.

فسبق أن تخلت شركات عن أنشطة معينة واتجهت إلى أنشطة أخرى أجدى نفعا في الوقت الحالي، نظرا إلى طبيعة المرحلة، وبدأت أنظار الكثير من الشركات الاستثمارية في الكويت ترنو إليها باعتبارها المنقذ الوحيد، عملاً بمبدأ 'اللي تغلب به العب به".

النفس الطويل

إلا أن الكثير من الشركات ذات النفس الطويل، لاسيما الاستثمارية، بدأت بتركيز جّل إمكاناتها وقدراتها واستراتيجياتها على النهوض بالأنشطة الرئيسية التي كثيرا ما جلبت لها الأرباح في فترات ماضية أكثر استقراراً. فقد قامت بعض شركات إدارة الأموال بإعداد وتقديم عدد من العروض التسويقية في محاولة لإقناع عملائها الحاليين والمرتقبين بأهمية الاستثمار في الوقت الحالي، وذلك بسبب رخص أسعار الأسهم وتحديداً الأسهم التشغيلية التي ليس لها أي علاقة بأسواق الأسهم أو العقار.

وكما اتفق على أنه لا يجب أن يوجه اللوم أو التأنيب إلى تلك المؤسسات عند انتهاجها لهذه السياسات، فلا أحد يستطيع إنكار أن ثقة المستثمرين بتلك الشركات اهتزت كثيراً، وصورتها المشرقة التي كونتها خلال السنوات الماضية تشوّهت إلى حد كبير بعد التأثر الكبير والسريع لها من معطيات الأزمة الحالية، مما يجعل إمكان استقطاب تلك الشركات لعملاء جدد تدير أصولهم أمراً في غاية الصعوبة، هذا إذا عرفنا مدى الصعوبات التي تواجهها تلك الشركات في إقناع الكثير من عملائها الحاليين بالإبقاء على أصولهم تحت إدارتها، أضف إلى ذلك الخسائر الكبيرة التي مُني بها الكثير من المستثمرين من جراء الأزمة، مما يجعلهم يمتنعون عن دخول السوق عموماً في الأوضاع الحالية سواء أولئك الذين خسروا ما يملكونه، أو الذين يريدون المحافظة على ما تبقى لديهم من دون الدخول في مغامرات جديدة.

«بروباغندا» إعلامية

فلاشك في أن هذه المجموعات حققت أرباحا خيالية بمعدلات سريعة، نظرا إلى طبيعة المضاربة التي اتخذتها كسياسة معتمدة في استثماراتها، ولذلك فقد ذهبت هذه الأرباح أدراج الرياح بمجرد اندلاع الشرارات الأولى للأزمة المالية، وانكشاف الأوضاع المالية الهشة لتلك المجموعات، اضف الى ذلك أنها استمرأت الإشاعات واعتمدت في بعض الاحيان على الاخبار الملفقة والتصريحات الإعلامية الرنانة لعمل "بروباغندا" إعلامية لها لرفع أسعار أسهمها، وتحقيق أرباح تضخمية على حساب تلك الإشاعات.

كل تلك السياسات الاستثمارية الخاطئة التي انتهجتها المجموعات متوسطة الأحجام في السوق الكويتي على مدار ست سنوات أدت بها في نهاية المطاف إلى السقوط في دوامة الازمة المالية، وكما لم تعبر تلك المجموعات خلال السنوات السمان عن أحجامها الحقيقية ومراكزها الاقتصادية الطبيعية، وتجاوزت إلى أبعد من ذلك لتضاهي أحجاما أكبر، جاءت الأزمة لتتقهقر تلك المجموعات متجاوزة مكانتها الطبيعية ومراكزها الحقيقية لتسقط سقوطا مريعا، لتختفي في الحالتين هذه الطبقة المتوسطة التي لم تستطع الصعود أكثر وقت الرخاء، وهوت بسرعة رهيبة وقت الكساد والانكماش.

إشكالية «العادة»

الإشكالية هنا أن الكثير من تلك الشركات لم تتعلم من أخطاء الماضي، إذ لم تزل تمارس "عاداتها" القديمة في عمل "البروباغندا الإعلامية" ظنا منها أن الحلول تأتي من هذا الطريق، وتناست انه لم يعد هناك ثقة بهذه الأخبار وأن "المستثمر لا يُلدَغ من جحر مرتين".

فهذه الشركات بدأت في ممارسة نفس الأساليب التي كانت تمارسها قبل الأزمة، كنشر الاخبار التي تشير الى أن ازمتها انتهت، وأنها في طور الانتعاش، فمنها التي أعلنت أن هناك عقودا سيتم توقيعها في القريب بمئات الملايين من الدنانير في محاولة لاجتذاب الثقة المفقودة وإقناع المستثمرين بأن استثمارات مقبلة ستحقق انتعاشا وتعيد العجلة الاقتصادية لما كانت عليه قبيل الأزمة المالية.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ أعلنت بعض الشركات عن توسعات ومشاريع عملاقة مقبلة في الطريق من شأنها رفع أسعار الاسهم، وبالتالي انتعاش الشركة ماديا، ومن ثم انتعاش الاقتصاد كله، إلا أنه لم يُعلن حتى الآن عن أي تفاصيل هذه التوسعات والمشاريع.

هذا بالإضافة الى أن بعض الشركات أعلنت في الفترة الأخيرة عمليات إعادة هيكلة ديونها، لافتة الى التوصل إلى نتائج متقدمة من خلال مفاوضات مع الجهات الدائنة، وأيضا لم يُعلن حتى الآن عن تفاصيل هذه المفاوضات أو حتى نجاحها من عدمه.

كما أن بعض الشركات نشرت عن طريق وسائل إعلامية أنها في انتظار تحقيق معدلات نمو مرتفعة في إيراداتها وأرباحها، بما سيعوّض خسائرها وقت الأزمة، ولم تظهر حتى اللحظة أي مؤشرات على هذا النمو، بل إن هذه الشركات مازالت تحقق خسائر بما يعني أن الأمر في حاجة الى وقت حتى تتحسن الاوضاع المالية لتلك الشركات.

ووصلت ادعاءات بعض الشركات إلى التأكيد أن الجهات الحكومية ستقوم بشراء أصولها، وهو مالم تقم به الجهات الحكومية حتى الآن ولم تصرح به، علما بأن بعض الشركات التي قامت بمحاولات لبيع أصولها للدولة بأساليب مختلفة باءت محاولتها بالفشل، وهو ما أرجعه خبراء إلى عدم جودة تلك الاصول أو تدني اسعارها بشكل غير مسبوق.

كما أن معظم هذه الشركات، حتى الآن، لا تريد ان تعترف بأخطائها إذ لم تتوان عن التصريح بأن الازمة التي تعرضت لها إنما هي ازمة عالمية شملت الجميع، وأنها تأثرت بها كما تأثرت معظم اقتصاديات العالم، وأنها لم تخطئ في سياساتها الاستثمارية عالية المخاطر، في حين أن الأزمة كشفت عوراتها جميعا، وبينت تجاوزاتها التي أدت في النهاية الى وصولها إلى هذه الحالة.  

دروس قاسية

فبعض الشركات التي تعثرت خلال الأزمة ورتبت أمورها مرحليا، عادت مرة أخرى إلى الممارسات السلبية السابقة، والتي كانت من أسباب سقوطها وتعثرها، ومن تلك الممارسات التلميع الإعلامي والحملات الدعائية "بروباغندا"، وذلك بما لا يتناسب إطلاقا مع الإنجازات الحقيقية.

إن "البروباغندا" الزائفة التي انتهجتها بعض الشركات المدرجة قبل الأزمة، هي التي ضاعفت من حدة الصدمة لدى الجمهور، وبالتالي فقدان الثقة بتلك الشركات بشكل سريع جدا، إذ تبيّن مدى زيف النجاحات والإنجازات، والتي ترتبت عليها جوائز وشهادات من جهات غير معلومة لدى المستثمرين، إذ إن أكثر الشركات التي نالت الجوائز والشهادات ـ خاصة الاستثمارية منها ـ هي نفسها التي سقطت أثناء الأزمة، وهذا ما يؤكد الأسس المشبوهة لمنح تلك الجوائز والشهادات.

وفي ذلك السياق فقد طالب خبراء باستفادة الجميع من الدرس القاسي الذي مررنا به، وأن نبدأ صفحة جديدة بعيدا عن البهرجة والتلميع، إذ تمنت هذه المراكز من "ريمة" عدم العودة إلى عادتها القديمة، حتى لا تأتيها الضربة القاضية هذه المرة، والتي لا يقتصر ضررها عليها وحدها، بل على أعداد غفيرة من المعجبين ببهرجتها.