موضوع كإنفلونزا الخنازير، وهو الوباء العالمي، الذي يعانيه العالم أجمع، بما فيها دوله المتقدمة طبياً وإدارياً وسياسياً، يفترض أن يكون بعيداً عن المماحكات السياسية، وألا يكون وسيلة لتسجيل النقاط ضد الحكومة وكشف ضعفها وهزالها المكشوف أصلاً. يفترض أن يكون شيئا كهذا؛ فرصة للتكاتف خصوصاً في هذه الفترة الحرجة التي يتسارع فيها انتشار الوباء.

Ad

إن مطالبة وزير الصحة الدكتور هلال الساير بالاستقالة الآن، ونحن في آتون الأزمة، هي مطالبة أبعد ما تكون عن الحكمة والمنطق، فلو افترضنا أنه قد استجاب فعلا وترجل عن موقعه في التو واللحظة اعترافاً منه بخلل الإجراءات والتعاطي الحكومي مع المشكلة، فهل سيساهم خروجه في حلها أو تسريع علاجها؟ لا على الإطلاق، فكل من سيأتي من بعده سيواجه نفس التبعة الثقيلة ونفس واقع التدهور الحكومي!

من الناحية الطبية، ليس بإمكان أي كان أن يمنع انتشار المرض أو حصول الوفيات، سواء في الكويت أو حتى في أكثر دول الغرب تقدماً، وليس بيد وزير الصحة أو غيره أي شيء على هذا المستوى، ولكن ما هو باليد هو «حسن الإدارة»، سواء لمواجهة مشكلة إنفلونزا الخنازير أو غيرها، ككارثة الصرف الصحي في منطقة مشرف، وهو ما تفتقر إليه حكومتنا بشكل عام في أغلب، إن لم يكن كل، قطاعاتها.

من حق النواب أن يحاسبوا وزير الصحة والحكومة على سوء إدارة المشكلة، وهو أمر حقيقي واقع لا يمكن حجبه، ولكن اندفاع بعضهم إلى مطالبته بالاستقالة وترك موقعه ونحن في خضم المشكلة، يدل على أنهم لا يدركون أصلاً ما الحكاية ولا يعرفون عما يتكلمون، ولا عن أي شق يريدون محاسبته!

مستشفيات وزارة الصحة بما لديها من أسرّة وغرف عناية مركزة وأقسام للحالات الوبائية ومستشفى للأمراض السارية ليست جاهزة لمواجهة أي كارثة وبائية، أو حالات طارئة بأعداد مصابين كبيرة، وقد انكشف هذا الأمر في حادثة حريق العيون، واليوم في وباء إنفلونزا الخنازير، وهو بالمناسبة أمر قديم ليس وليد الساعة ولا علاقة للدكتور الساير به، يدركه الأطباء الذين لطالما عانوه كلما فوجئوا بحادث مروري، أو كارثة صحية يكون فيها عدد المصابين أكثر من المعتاد، ليجدوا أنفسهم في حيرة تحويلهم من مستشفى إلى آخر بحثاً عن أسرّة تستوعبهم في غرف العناية المركزة، وقد شهدت هذا بنفسي يوم كنت طبيباً أعمل في وزارة الصحة، وأنا من تركتها إلى القطاع الخاص منذ أكثر من تسع سنوات!

لذلك مع هذا الواقع الهزيل لوزارة الصحة ومرافقها، والنقص المكشوف والمعروف لطاقتها الاستيعابية، وعدم توافر القدرة للتعامل مع انتشار الأوبئة والكوارث الصحية على مستويات عالية، فما نحن بحاجة إليه الآن، هو إدارة حقيقية شجاعة للأزمة، طبياً وإعلامياً والقليل القليل من الضجة السياسية والاستجابة لها والالتفات إليها بالمقابل.

لعلنا بحاجة إلى إخراج كل الحالات الطبية الباردة (وهذا مصطلح طبي بالمناسبة) من المستشفيات، وربما إلى تفريغ أجنحة كاملة منها وجعل الأسرة جاهزة للحالات الطارئة فقط، وربما تحويل مستوصفات إلى مراكز للتعامل مع إنفلونزا الخنازير فقط لدعم مستشفى الأمراض السارية الذي اختنق بما فيه، وحتماً إلى حملة إعلامية مكثفة على مختلف القنوات والوسائل المتاحة، وإشراك القطاع الخاص في ذلك، حتى يشعر الجميع بمسؤوليتهم ودورهم تجاه هذه الأزمة الحقيقية، وهناك الكثير والكثير من الأفكار الأخرى القابلة للتنفيذ بأسرع وقت.

لكن هذه الأفكار وغيرها، لا تحتاج إلى د. هلال الساير لوحده، إنما إلى تكاتف الجميع من أصحاب الشأن لاختيار الصالح منها ووضعه محل التطبيق بسرعة. نعم يجب أن يكون وزير الصحة قائداً للحملة بحكم منصبه، ولكنه سيبقى بحاجة إلى الإسناد والتوجيه السياسي البناء لا الاستهداف والترصد، وإن لم يستطع الساسة تقدير حساسية الموقف والصمت لبعض الوقت، فليس أمام الوزير إلا تجاهلهم والعمل بالشكل العلمي الإداري السليم دون خوف من أحد أو تردد أو محاباة، ومَن أراد أن يحاسبه لاحقاً بعد انجلاء الغمة فدونه المنصة والحجة بالحجة!

لكن الحاصل هو أن حكاية إنفلونزا الخنازير قد تحولت إلى لعبة «روليت» ما بين حكومة تائهة أصلاً تحت وطأة أزماتها المتلاحقة وتخبطها المستمر وبتفوق، ومجموعة من النواب الذين يبحثون عن أي شيء لينقضّوا على هذه الحكومة المترنحة لتحقيق الانتصارات، ليكون الضحية هو الوطن والناس!

من ناحيتي، فلا يستهويني أن أكون جزءا من لعبة الروليت هذه وأن تكون المغامرة بأبنائي، لذلك وفي ظل عدم قدرة وزارتي الصحة والتربية على رؤية أن القرار الصحيح هو تأجيل الدراسة حتى تجاوز هذه الفترة الصعبة لانتشار الوباء، وتجاوز فترة عودة الوافدين بالآلاف من شتى دول العالم إلى المدارس، فقد قررت أن أمنع أبنائي من الانتظام في الدراسة مع بدء العام الدراسي لمدة أسبوعين على الأقل حتى أتأكد أن الأمور مطمئنة، وأنا أوجه هذه النصيحة إلى مَن يريد، هذا والله الحامي من كل شر!