مآخذ سورية وحلفائها على سليمان منذ قيادته للجيش: منع «8 آذار» من إعادة الأمور إلى ما قبل 2005
سعى المعنيون بالوضع السياسي في لبنان إلى معرفة الأسباب التي تقف وراء الاعتراضات التي يبديها بعض حلفاء سورية في لبنان على سياسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، التي يقال إن بعضها صادر في شكل غير مباشر عن القيادة السورية نفسها، التي تسعى إلى توجيه رسائل بهذا المعنى إلى سليمان.وبحسب شخصيات لبنانية وثيقة الصلة بالمسؤولين السوريين، فإن ما جاء على لسان بعض السياسيين اللبنانيين، وما أشارت إليه بعض وسائل الإعلام المعروفة بدفاعها عن السياسة السورية في لبنان، خلال الأيام الماضية ليس نتيجة موقف أو قرار محدد لرئيس الجمهورية، وإنما نتيجة تراكمات يعود بعضها إلى نحو خمس سنوات. ويتوقف هؤلاء في مجال تعداد المآخذ على سليمان عند المحطات الآتية:
1- مرحلة 14 فبراير– 14 مارس 2005: تأخذ القيادة السورية على العماد سليمان، وقد كان قائداً للجيش في تلك الفترة، أنه لم يبادر إلى اتخاذ الإجراءات الميدانية اللازمة لمنع الناس في التظاهر ضد الوجود السوري في لبنان. وقد أدى "تراخيه" في التعاطي مع التجمعات الشعبية التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه يومها إلى "كرة ثلج" شعبية صبت لغير مصلحة سورية وحلفائها في لبنان. صحيح أن سليمان من موقعه كقائد للجيش حمى يومها تظاهرة "8 آذار" التي سعت إلى الرد على مهاجمي سورية ودورها في لبنان تحت شعار "شكراً سورية"، لكنه في الوقت ذاته ساهم من حيث يدري أو لا يدري، ومن حيث يريد أو لا يريد في تحضير الأجواء لنجاح تظاهرة "14 آذار" التاريخية والمفصلية في تاريخ لبنان الحديث. في تلك الفترة يقول حلفاء سورية إن سليمان منع "14 آذار" من الإمساك بالوضع من خلال إسقاط رئيس الجمهورية إميل لحود، لكنه حال دون تمكن حلفاء سورية من القضاء على "انتفاضة الاستقلال".2- مرحلة الانتخابات النيابية (2005) وما بعدها: تميزت بسعي قوى 14 آذار إلى إزاحة الرئيس السابق إميل لحود، لكن موقف قائد الجيش ميشال سليمان يومها تميّز بكثير من الحيادية على نحو لم يسمح للحود وحلفاء سورية بحسم الأمور لمصلحتهم وتجاوز نتائج الانتخابات النيابية.فاحتفظت قوى 14 آذار نتيجة لسياسته بأكثريتها، لكن رئيس الجمهورية لم يحظ بالغطاء العسكري والأمني اللازم لاستيعاب هجمة خصومه وخصوم سورية في لبنان، فكرست قوى 14 آذار فوزها الانتخابي من دون أن تتمكن من أن تحكم، وفشل رئيس الجمهورية في الإمساك بالحكم من دون أن يسقط.3- مرحلة الصراع حول شرعية حكومة السنيورة والتظاهرات والاعتصامات: سمح تعاطي العماد ميشال سليمان يومها لقوى 8 آذار بمحاصرة السراي الحكومي، لكنه حال دون إسقاط الحكومة بالقوة من خلال السماح لحلفاء السنيورة في المناطق المسيحية، خصوصاً بفتح الطرقات ومنع إقفالها على نحو يشل البلد كله. وهكذا سمح سليمان لقوى 8 آذار بتحقيق مكسب ميداني لكنه منعها من الانقلاب على قوى 14 آذار، التي استمرت في الحكم على الرغم من استقالة الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصراف المحسوب على لحود. 4- نهر البارد: نفذ قائد الجيش يومها العماد ميشال سليمان تعليمات حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بمهاجمة مخيم نهر البارد، وتجاوز تحفظات حلفاء سورية المتمثلة في اعتبار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المخيم خطاً أحمر. وانتهت العملية العسكرية في نهر البارد بالسيطرة على المخيم وهروب شاكر العبسي وعشرات من عناصره، فكسبت حكومة السنيورة معنوياً من دون أن تترجم انتصار الجيش لمصلحتها سياسياً، فكان مؤتمر صحافي في وزارة الدفاع لإعلان أن سورية دعمت الجيش اللبناني في معارك نهر البارد خلافاً لرأي الحكومة التي كانت تعتبر شاكر العبسي وفتح الإسلام امتداداً للسياسة السورية في لبنان. وهكذا ساهم سليمان مرة جديدة في "انتصار شكلي" لـ"14 آذار" من دون أن يسمح بـ"هزيمة فعلية" لسورية وحلفائها.5-7 أيار 2008: يتحدث المراقبون عن غض طرف من قبل قائد الجيش ميشال سليمان عن عمليات حزب الله العسكرية التي انتهت باحتلال بيروت الغربية، لكنهم يتحدثون في الوقت ذاته عن موقف حاسم من مغبة شمول العمليات العسكرية المناطق المسيحية.وبذلك يكون قد سمح بهزيمة عسكرية لقوى 14 آذار من دون أن يسمح بانتصار سياسي لقوى 8 آذار يتمثل في سقوط حكومة السنيورة، فكان اتفاق الدوحة الذي لم يسمح لأكثرية "14 آذار" النيابية بانتخاب رئيس للجمهورية يمثلها، لكنه لم يسمح في الوقت ذاته للقوة العسكرية لـ "8 آذار" بأن تترجم انتصارها العسكري إلى نتيجة سياسية حاسمة.6- انتخابات يونيو 2009: أدى تعاطي الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال سليمان تحت شعار "الوسطية" إلى إضعاف الموقف الانتخابي لقوى 14 آذار في المناطق المسيحية الأساسية، فتركت الساحة الانتخابية في جبيل وكسروان والمتن الشمالي لإدارة غير سياسية تميزت بالإرباك وعدم الوضوح حتى اللحظات الأخيرة. فلم تتمكن قوى 14 آذار وحدها، بفعل موقف رئيس الجمهورية والمحسوبين عليه، من تحقيق الأكثرية النيابية، لكن قوى 8 آذار في المقابل منيت بهزيمة انتخابية. وجاء تشكيل الحكومة ليأخذ من "8 آذار" الثلث المعطل، ولو أن ذلك ترافق مع خسارة قوى 14 آذار للأكثرية المطلقة في الحكومة، فلم تفز قوى 14 آذار ولم تخسر قوى 8 آذار بفعل دور رئيس الجمهورية.7- هيئة الحوار: راهنت قوى 14 آذار على انعقاد طاولة الحوار لإبقاء ملف سلاح حزب الله على بساط البحث والنقاش. وسعى حزب الله ومن خلفه سورية وإيران الى التعاطي مع هذا السلاح كأمر واقع يفترض بأي بحث أن يبدأ من الاعتراف بوجوده، لكن تشكيل رئيس الجمهورية لهيئة الحوار بصيغتها الجديدة التي أخذت في الاعتبار شكلاً بعضاً من رأي حزب الله وحلفائه بإشراك كل من النواب طلال أرسلان وسليمان فرنجية وأسعد حردان، لبت مضمون طلب الأكثرية خصوصاً من خلال مواقف تسربت عن رئيس الجمهورية بأن دور المقاومة لا يمكن أن يبدأ إلا بعد حصول الاحتلال وإعلان الجيش عدم قدرته على مواجهة العدو، مشدداً على أن أي استراتيجية دفاعية يجب أن تأخذ في الاعتبار نص الدستور الذي يعتبر رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة ونص قانون الدفاع الذي يضع كل القوى العسكرية بإمرة قيادة الجيش في حال تعرض لبنان للخطر. ومرة جديدة أدت سياسة رئيس الجمهورية إلى فوز شكلي لحلفاء سورية يقف عند حدود الترجمة العملية التي حالت دونها عدم خسارة قوى 14 آذار.من هنا يخلص المراقبون إلى الإشارة بأن سورية التي تسعى منذ عام 2005 إلى الإمساك بالوضع في لبنان، من خلال استعادة نفوذها الحاسم على حساب قوى 14 آذار، تصطدم في كل مرة تقترب من الحسم بأداء رئيس الجمهورية منذ كان قائداً للجيش. صحيح أن سليمان نجح في "وسطيته" دون السماح لقوى 14 آذار بحسم الأمور لمصلحتها وهو ما يعتقد أنه يكفي لإرضاء سورية، لكنه في الوقت ذاته لم يسمح لقوى 8 آذار وسورية بإعادة الأمور إلى ما قبل 2005، وهو ما يغضب القيادة السورية وحلفاءها ويجعلها في موقع من يحول تحفظاته إلى انتقادات علنية برسم المرحلة المقبلة، التي تستعد فيها دمشق في ظل التحولات في موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وفي ضوء التعاطي الجديد لرئيس الحكومة مع سورية لإمساك أكبر بمفاصل الوضع اللبناني، استباقاً لأي خطوة رئاسية جديدة من شأنها أن ترسي المعادلات السابقة التي تمنع "14 آذار" من الخسارة وتمنع سورية وحلفاءها من الربح.