فتش عن الطفل في نفسك!

نشر في 30-03-2010
آخر تحديث 30-03-2010 | 00:00
 د. ساجد العبدلي وجدت القصة التالية منذ أيام على شبكة الإنترنت، وشاركت بها العديد من أصدقائي ومعارفي، لأنها فعلا قصة جميلة مؤثرة، دفعتني إلى التأمل والتفكير، وأحببت أن أشارككم بها اليوم أيضا، مع بعض التصرف في صياغتها الأصلية المنشورة في مواقع الإنترنت والمنتديات.

تقول القصة بأن رجلا جلس في صباح يوم بارد في محطة قطارات الأنفاق في العاصمة الأميركية واشنطن، وبدأ يعزف على كمانه مقطوعات موسيقية لبيتهوفن، حيث عزف الرجل لمدة 45 دقيقة، مر خلالها آلاف الناس بقربه، وكان أكثرهم ذاهباً إلى عمله في زحمة الصباح.

بعد ثلاث دقائق انتبه رجل في الخمسينيات من عمره لعازف الموسيقى المنهمك بالعزف على آلته، فخفف قليلاً من مشيته، ووقف لبضع ثوان ثم تابع طريقه، وبعد لحظات حصل العازف على أول دولار رمته له امرأة في حاضنة الكمان، دون أن تتوقف ولو للحظة واحدة، وبعد بضع دقائق أخرى، استند شخص إلى الجدار ليستمع قليلا، ولكنه نظر إلى ساعته فعاد ليمشي مبتعدا، لأنه من الواضح أنه كان متأخراً عن العمل، أو عن موعد ما.

أحد أكثر الذين أظهروا اهتمامهم بالرجل كان طفلا عمره قرابة ثلاث سنوات يمسك بيد أمه ويسير بجانبها دون توقف، لكن نظره كان معلقا مع العازف، فحتى بعد ابتعادهم عن العازف ظل الطفل يسير وهو ينظر إلى الخلف، وقد حصل هذا الأمر مع العديد من الأطفال الآخرين، إلا أن جميع الآباء، ودون استثناء، كانوا يجبرون أبناءهم على السير رغم نظرات الأطفال وانتباههم لعازف الموسيقى.

بعد مضي 45 دقيقة أخرى من العزف على الكمان، كان ستة أشخاص فقط هم الذين توقفوا واستمعوا للعزف لفترة ثم انصرفوا، وقدم حوالي عشرين شخصاً المال للعازف وعادوا للسير على عجلة من أمرهم، فجمع 32 دولاراً فقط عند انتهائه من العزف، ليعمّ الصمت في محطة المترو، فلم ينتبه لذلك أحد، ولم يصفق للعازف أو يشكره أي شخص.

لم يعرف المارة أن عازف الكمان كان هو جوشوا بيل، واحد من أشهر وأفضل الموسيقيين في العالم، وقد كان يعزف إحدى أعقد المقطوعات الموسيقية المكتوبة على الكمان في العالم، حيث تقدر قيمتها بـ 3.5 ملايين دولار، وهي التي كان قد عزفها قبل يومين في قاعة مكتظة في أحد مسارح بوستون، حيث كان سعر البطاقة الواحدة 100 دولار أميركي.

عزف جوشوا بيل تلك المقطوعات الشهيرة متخفياً في محطة مترو الأنفاق كجزء من تجربة اجتماعية قامت بها صحيفة الواشنطن بوست حول الإدراك الحسي والذوق والأولويات عند البشر، وكانت الخطوط العريضة للتجربة والتساؤلات العامة التي انطلقت منها هي كالتالي:

في بيئة عامة مزدحمة وفي وقت غير ملائم؛ هل لدينا القدرة على استشعار الجمال؟ هل نعطي أنفسنا الفرصة للتوقف لتقدير الجمال؟ وهل نستطيع أن نميز ونكتشف الموهبة والإبداع في مكان غير متوقع؟

والسؤال الأهم بالنسبة إلي: إذا لم يكن لدينا الوقت للوقوف لحظة، وسماع أعظم عزف لواحدة من أجمل المقطوعات الموسيقية في تاريخ الفن، فكم من الأشياء الجميلة الأخرى التي نمر بها دون وعي، ودون أن نشعر بقيمتها، ودون أن نفيها حقها؟!

قصة مبهرة، وتجربة مثيرة، وتساؤلات إنسانية تستحق منا التوقف والتأمل فعلا، ليس فيها وفي معانيها فحسب إنما في داخل أنفسنا وذواتنا، ومنها مثلا، اهتمام الأطفال فقط بجمال العزف، فهل يا ترى يحتاج الواحد منا أن يفتش مجددا عن ذلك الطفل في داخله، حتى يعود ليرى الأشياء الجميلة من حوله؟!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top