سرقة بحجم فضيحة
ترددت كثيرا قبل أن أكتب هذه المقالة، وانتظرت من الصفحات الثقافية طرح هذا الموضوع ومناقشته بجدية، وفتح ملف السرقات الأدبية والفنية، التي باتت سمة من سمات هذا العصر، وبات تقبلها أمرا عاديا بسبب كثرتها وشيوعها في وسط فيضانات معرفية سهلت سرعة تبادل المعرفة أو سرقتها، ولا فرق واضحا ما بين الحدين.
فالإنترنت سهّل الحصول على المعلومة للباحث عنها لتزويده بالمعرفة التي تفيد بحثه، وليس لأجل سرقتها.ولكن يبدو أن هناك من استفاد تماما من هذا السيل العارم في المعلومات والذي يصعب رقابته، أو عده أو إحصاؤه، واستغلها لصالحه، ومنها سأطرح موضوع الفضيحة التي قرأها الجميع على موقع «بنت الكويت» الذي اختفى الآن بسبب خفي، ربما يكون قد هُجم خوفا من انكشاف فضائح أخرى قادمة كما كتب في الموقع ذاته.ومنها أسماء قد اعتذرت فقبل اعتذارها ورفع اسمها من الموقع، وبقي اسم واحد في الموقع، حتى تم محوه مع الموقع الممحو من قبل الهاكرز، وقد ذهلت حين اكتشفت حجم التطابق ما بين مقالاته التي تم نشرها في جريدة «آوان» الكويتية وبين مقالات أخذت من كتابات «اركون» وغيره من الكتاب موجود اسمهم في موقع لصوص الكلمة.بصراحة، التطابق فيها شيء لا يصدق... لم يكن الأمر مثلا فقط تشابه في الفكرة أو أنه مجرد توارد خواطر، أو التقاء وتوافق في بعض النقاط، ولكن الموضوع كان برمته نقلا كاملا أو شبه كامل لمقالات كتبت من قبل آخرين أبدعوا، وتعبوا وكتبوا خبرتهم وثقافتهم ورؤيتهم للعالم وللحياة من بعد سنوات من الكفاح والعمل في حقل الثقافة الإنسانية، حتى تمكنوا من الوصول إلى نظرياتهم هذه التي سجلوها على الورق. وللآن لا أدري كيف يهون على أي إنسان سرقة أفكار ونظريات هي جهد وعرق حياة آخر عبر في مشوار عمر حتى توصل إلى زبدة خبرته هذه، وليجد في النهاية هناك من يتلقفها على الجاهز وينسبها لنفسه بتفوق، وفوق ذلك يقبض ثمنها، أي ثمن تعب غيره الذي وصل من قبله.وكنت أتمنى من الكاتب إياه أن يدلي بأي تصريح أو أن يوضح ما شاع وانتشر وانتقل ما بين الجميع سرا وعلانية.تمنيت أن يكون هناك أي خطأ ما، أو أي لبس حتى لا تكون هناك لطخة أو أية إساءة للثقافة الكويتية التي هي بالفعل منارة بفضل منشوراتها، ولا تحتاج إلى شهادتي فهي شريان للثقافة العربية من المحيط إلى الخليج، منذ أكثر من نصف قرن، وكان من المفروض أن تقوم الصفحات الثقافية وبشجاعة بمواجهة هذا الموضوع بدلا من الهمس واللغط المنتشر حول هذا الموضوع، حتى لا يستسهل كل من هب ودب من سرقة جهد الغير، وأن يشعروا بأن هناك رقابة واعية ورادعة، لأن الثقافة ليست نقودا لتسرق، لكنها جهد إنساني متعب ومجهد ويأكل العمر، وعلى الكتاب الشباب أن يتعبوا ويكتشفوا متعة الخلق الحقيقي حتى يحصدوا بفخر إبداعهم.لكن جميع الصفحات الثقافية سكتت، وصمتت صمتا مريبا، هذا على حد علمي، وأعتذر أن كان هناك من كتب، لنقل الكل أو الأغلبية التزمت الصمت، إما تضامنا مع زميل لهم في المهنة أو خجلا أو خوفا من طرف ما، أو ربما بعض منهم قد مارس مثل هذه السرقات، ويخاف من أن يأتي دوره في الكشف والفضح.أتمنى أن يخيب ظني ويكون هناك خطأ ما يعلق على أي حبل ما، وأن تقوم الصفحات الثقافية بدورها الحقيقي، وهو رصد هذه السلوكيات غير اللائقة، وأن يكون دورها بالفعل صفحات لنشر الثقافة والتوعية، من دون خوف أو تواطؤ، أو تخاذل، وهذا هو المطلوب منها ومن وجودهم فيها، وحتى لا ينظر إلى الكتابة الكويتية بنظرة شك واتهام وبتجريدها من الإبداع الحقيقي، فقط لأن الكويتي آت من بلاد النفط فلن ينتج إبداعا هو لا ينتمي إليه.