عادة ما يطلق مصطلح اليمين أو اليسار لتحديد موقف فكري أو سياسي، إلا أن المصطلح قد يعبر عن حالة ذهنية تجاه الحياة أو القضايا العامة، فاليميني عادة صفة تطلق على من يرى المحافظة على الأوضاع القائمة، واليساري هو الذي يرى ضرورة التغيير، وعلى هذا الأساس فإنه يوجد يمين ويسار في أي جماعة سياسية، أو مجموعة اجتماعية، وينطبق ذلك أيضاً على الأسر والعوائل، وليس بالضرورة أن يكون الإنسان يمينياً أو يسارياً على طول الخط، وهنا يقع في المنطقة الرمادية. وكلما أصبح اليميني متشدداً اقترب من اليمين المتطرف، وكلما دفع اليساري نحو التغيير الجذري أصبح أقرب إلى اليسار المتطرف الذي يرى تغييراً جذرياً. صحيح أننا تعودنا أن نطلق مصطلح اليسار على من يحمل الفكر الاشتراكي حتى الشيوعية وتوجهاتها الراديكالية، إلا أنه كان لافتاً سيادة مصطلح الإسلام الراديكالي على المجاميع الإسلامية المتشددة. إذاً استخدام اليمين واليسار هنا يتم بصورة مجازية، وربما أن الذي جرنا إليه هو التحليل الذي كتبه جي دبليو بيل المعتمد السياسي البريطاني في الكويت بتاريخ 23 يناير 1957.

Ad

توضح الوثيقة الموقف البريطاني من التحولات بالكويت وقلقها من احتمال ضياع مصالحها. وتناقش العلاقة مع الحركة الإصلاحية ومع من تقع مصلحة بريطانيا، وطبيعة الصراع بين القوى المتنافسة داخل المجتمع. وبغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع ما جاء فيها، فإنها تحمل نفساً استشرافياً يمتد إلى 30 سنة قادمة.

وتلاحظ الوثيقة أن هناك هدوءاً نسبياً بين الحركة الإصلاحية بعد انسحاب بريطانيا من السويس، كما تشير نصا إلى «تقديم زعيمهم د. أحمد الخطيب استقالته من دائرة الصحة، ونتوقع أن تقوم الحركة الإصلاحية بالتحريض ضد قانون الصحافة المقيد أو تصرفات بعض أفراد الأسرة غيرالمنضبطة، وقد يؤدي ذلك النشاط إلى صدام مع السلطة، هذه الأنشطة ستضعف نفوذنا، وسيكون لها صدى إيجابي عربياً خاصة وأن الكثير من العرب في الكويت مرتبطون بالحركة الإصلاحية، وقد نددت الحركة بقرار شركة نفط الكويت تسليم عمل وكالة بواخر النفط لمجموعة من تجار الكويت الأقوياء».

أما موقف الأسرة «فعبدالله الجابر وابناه وربما صباح السالم يميلون الى المدرسة الهادئة في السياسة وإن كانوا يرون في التعليم والحرية خطراً يهدد بقاء النظام، وعلى يمينهم ربما يقف الشيخ فهد السالم الذي يرى أن التغيير قادم ولكنّ الارستقراطيين لن يتم عزلهم من موقعهم والتنازل عن طريق قيادات الإصلاحيين، وسيخدم الإصلاحيون أهدافهم جيداً بالتعامل بهدوء مع التغيير وبالتدريج وسيحصلون على أهدافهم بالتأكيد، ويأتي على يمين الشيخ فهد السالم ربما عبدالله المبارك وعبدالله الأحمد حيث لا يستطيع أي منهما تقدير طبيعة القوى التي تتحرك على الأرض، وربما يفهمونها بأنها ضياع للسلطة والنفوذ والمال، وقد يجعلهما ذلك يلجآن للقوة والقمع. أما على يسار الوسط فإنه بإمكاننا أن نضع شخصيات مثل جابر الأحمد وأخيه صباح الأحمد وجابر العلي وفوقهم يأتي الحاكم الذي لو جاءت الأمور على رغبته فسيكون في موقع يسار الوسط دون منازع لولا تأثير كبار أفراد العائلة الذين يقفون على يمينه، ما يجعله متردداً في اتخاذ قرارات تؤثر في التطور السياسي.

ومع كل اختلافاتهم، فإن أفراد الأسرة قد أثبتوا قدرتهم على التماسك حين الملمات، وحين يكون الهجوم المقصود به موقع الأسرة، وهذا ما حدث في نوفمبر مثلاً، عندما شعروا بأن منح تراخيص زائدة على اللزوم لنشاطات معادية لبريطانيا سيضعف موقفهم كأسرة في المحصلة. ولكنهم لن يتصرفوا بذات وحدة الصف إذا كانت تلك الأنشطة موجهة مباشرة ضد بريطانيا فقط، ففي مثل هذه الحالات فإن عدداً من صغار الأسرة، مثل صباح الأحمد وجابر العلي قد يميلون الى مراجعة العلاقة مع بريطانيا، والتي سيقف في وجهها كبار الأسرة. ولكن بمرونة معهودة للأسرة وكيف استطاع الأمير أن يقود التحرك خلال أزمة السويس في نوفمبر، فنجح في تجاوزها بمهارة ومرونة فائقة، حافظاً لعلاقاته التقليدية معنا، والاتجاهات المعادية للغرب والتي خرجت للشارع بسبب تدخلنا في السويس».

كان هذا نموذجاً للمنظور البريطاني لمجريات السياسة في الكويت، فإلى أي درجة نجحت محاولات بريطانيا في التأثير، تلك المحاولات البريطانية التي كانت أشبه ما تكون بلعبة القط والفأر، توم أند جيري إن شئت، وهل كان التحليل دقيقاً، وهل بالإمكان إجراء مقارنات مع وضعنا الحالي؟ مسألة تستحق التفكير.