إنقاذ وطن ما بين الساخر والضاحك والحالم!
أعتقد أن ما حصل في الأمس في تظاهرة «إنقاذ وطن» التي جرت أمام منزل النائب خالد الطاحوس، لابد أن يكون قد بعث برسالة واضحة إلى الحكومة، وكذلك إلى تلك الأطراف التي قد يكون خطر في بالها التفكير في الانقلاب على الدستور، عن حجم التغيرات التي طرأت على حراك الشارع الكويتي وكيفية تشكل الرأي العام فيه، أو سأصحح فأقول بأني سأدفع نفسي دفعا لاعتقاد هذا من باب إحسان الظن ببصيرة هذه الأطراف، لأنها إن لم تكن كذلك فمشكلتها حينئذ عصية على العلاج!تواجدت لبعض الوقت وبهدوء في تلك التظاهرة، فأرعبني وجود أعداد كبيرة من المراهقين الصغار في السن، البعيدين كل البعد عن إدراك الحساسية السياسية لما يجري أمامهم، والبعيدين أيضا عن الاطمئنان إلى تلقيهم الرسالة الوطنية التوحيدية لا التفريقية، والتي أظن أُريد لها أن ترسل من خلال التظاهرة.
وأنا هنا أعتبر أن الخطورة الأعظم قد تنبع من هذه الفئة غير الناضجة فكريا، معتبرا كل الآخرين ممن حضروا قد أدركوا واستوعبوا تماما، وسأكررها للتشديد وربما للتفاؤل، أدركوا واستوعبوا تماما أن المراد من هذه التظاهرة التوحيد لا التفريق، والتلاحم لا التنافر، وأنهم خرجوا جميعا بعدها بحب أكبر لوطنهم الجامع، وبانصهار حقيقي في بوتقة الوحدة الوطنية وتذويب الفروقات بين الشعب من بدو وحضر وسنة وشيعة.سأعود إذن إلى تلك الفئة الصغيرة في السن والقليلة في النضج، ولكنني لن أحمّل مسؤولية قيام أحد منها بما لا يحمد عقباه، اليوم أو غدا، لمن قاموا بتنظيم التظاهرة، فليس هذا دورهم بطبيعة الحال، أو سأقول إنهم ليس أول من سيلام إن حصل شيء من هذا، بل سأتوجه إلى الحكومة، مذكراً إياها بأن المسؤولية في عنقها أولاً وأخيراً في مثل هذه الأزمات.تعلمنا في علم الإدارة أنه في الأزمات، وحين لا يعلو صوت فوق صوت المعركة، لا ينفع الصوت الهادئ الحالم، ولا تنفع البيانات والتصريحات الإنشائية، ولن يجدي إلا رفع الصوت فوق كل الأصوات، والتحرك أسرع من الجميع للظفر بزمام الأمور وقيادة السفينة بعدها إلى بر الأمان، وهذا ما تفعله الحكومات الناجحة.وتعلمنا كذلك أن الظروف الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية، لكن كل ما بدر عن حكومتنا حتى الساعة، لا يتواكب وحساسية ما يجري، وصوتها لايزال خافتا بل أقرب إلى الهمس، في ظل هدير غضب الجماهير، وتصريحات أتت مرتبكة مترددة حاملة معها كالعادة تذبذبات وابتسامات في غير مقامها، كتصريحات وزير الإعلام، الضاحك دائما، حول إجراءات وزارته تجاه قنوات الفتنة، وتصريحات أخيه وزير الداخلية، الساخر دائما، حول «احتمال» القبض على مسبب الفتنة، أمام تصريحات حاسمة وقاطعة وواضحة لا تشوبها شائبة من الجانب الآخر، وهذه التصرفات «الهلامية» لن تنفع الحكومة بل ستضرها... ستضرها كثيراً! ليس أمام رئيس الحكومة إلا التصدي «بنفسه» لما يجري بحزم وحسم واتخاذ كل الإجراءات العاجلة والضرورية لوأد الفتنة، حتى لو اضطر إلى بتر بعض «الأطراف» ولو لم يكن مقتنعا بهذا، وإلا فإن الكلفة ستكون باهظة جدا في الغد عليه شخصيا، وأكثر بكثير من أي إجراء قد يراه ثقيلا على النفس اليوم.إن «تناتيف» الرضا الشعبي والانتصار السياسي الذي حققته الحكومة في الأمس، بعد عبور جسر الاستجوابات الأربعة، قد تلاشت اليوم، وعادت الكفة تميل وبقوة ناحية الطرف الآخر، وليس أمام الحكومة، إن هي أرادت البقاء، إلا استعادة زمام المبادرة بالعمل الحقيقي والإجراءات الفعلية. لكن القول الأهم هو أن الأمر كله ما عاد يحتمل أن يكون مباراة «رعناء» حول من «يختطف» الشارع أولا أو من يستطيع سحب الرأي الشعبي إلى ناحيته عبر «توجيه» الآلة الإعلامية، بل يجب أن يكون مواجهة حقيقية مخلصة واعية بحجم ما يجري، وحينها، عاجلا أو آجلا، ستنحني الآلة الإعلامية رغما عن أنفها صاغرة أمام واقع الإنجاز وحقيقة النتائج. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة