أجزم بأننا ما كنا في حاجة إلى تقرير السيد توني بلير جملةً وتفصيلاً، وخصوصاً في مجال التربية والتعليم. لكننا ندين بالشكر لرئيس الوزراء البريطاني السابق لأنه رمى حجراً في مستنقع الركود الذي نعيش فيه وذكرنا -بأوضح التعابير- بأن التقاعس عن تطوير التعليم يعني الفشل مثلما يعني أن مستقبل الكويت في خطر.

Ad

لسنا البلد الوحيد الذي ينبغي عليه مواكبة التحديات بتعليم حديث ورفيع، ومواءمة مستوى جامعاته ومدارسه لحاجته الاقتصادية والإنسانية المستقبلية، لكننا ربما كنا الاستثناء الفاقع في ارتفاع نسبة الإنفاق التي تصل إلى 8.3 في المئة من الدخل القومي وانخفاض مخرجات التعليم، في حين تنفق سنغافورة على سبيل المثال 3.1 في المئة محققةً نهضة تعليمية وتقنية تثير الاحترام.

للقارئ والمسؤول العودة إلى تقرير بلير الذي يضع الإصبع على الجرح، فيسرد الأسباب ويورد اقتراحات لم نكن غافلين عنها لكنها تُختصر عملياً في الإهمال وغياب الرؤية والقرار.

فأن نحقق المراكز الأخيرة في الامتحانات الدولية للمهارات في القراءة واللغة أو الحساب مسألة تدعو إلى الإحباط. وأن يكون معدل الالتحاق بالجامعات عندنا 27 في المئة بينما هو في كوريا الجنوبية 84 في المئة مسألة تدعو إلى الانتفاض للقول: كفى استهتاراً بمستقبل النشء الكويتي، ولتبدأ ولو متأخرةً ورشة تغيير جذري تستفيد من توصيات بلير ومن رؤية الاختصاصيين الكويتيين.

إذا كان هذا النوع من التقارير لا يثير لدينا الاهتمام ولا يُشعرنا بقدر كافٍ من المسؤولية لنتحرك في اتجاه إنقاذ التعليم، فدعونا نستفيد من تجارب الآخرين. ولمن نسي نقول إن التعليم في بداية التسعينيات شكَّل القضية الأولى في الولايات المتحدة بعد نشر كتاب «أمة في خطر» الذي حدَّد مكامن الضعف في النظام التعليمي الأميركي. فقاد كلينتون مهمة التغيير في التعليم والاقتصاد، وحقَّق المجتمع الأميركي إنجازات مهمة في الحقلين على السواء. فلماذا لا نقتدي بالنجاحات؟ ولماذا نترك التقارير والتوصيات في الأدراج؟ وكيف لا نستحي حين نكتشف أن أقل من 10 في المئة من المواطنين تجاوزوا التعليم الجامعي؟

أدرك تماماً مدى صعوبة اتخاذ القرار في الكويت. وأعلم من التجربة أن مواضيعنا المهمة تضيع في السجال العقيم. لكن مسألة التعليم يجب ألا تكون موضع خلاف أو جدل أو ان تدخل في التسييس الذي صار الداء الأول الذي يعاني منه القطاع التربوي.

لن أكرر ما جاء في تقرير بلير، ولا في تقرير البنك الدولي، ولا في تقاريرنا الكويتية عن الحاجة إلى رفع مستوى المدرسين والمدارس والمناهج ونظام التقييم وإلغاء «الواسطة» والمحسوبيات وتشجيع القطاع الخاص، لكنني أشدد على أننا لن نستطيع الصمود طويلاً إذا لم نلجأ إلى تنويع مصادر الدخل وتحقيق المركز المالي والاقتصادي والاستثمار في الإنسان الكويتي. وطريقنا إلى ذلك تأهيل الكوادر والنهوض بالتعليم.

كلنا في انتظار الخطة الخمسية، غير أننا بعد «صدمة بلير» يجب أن نطالب بأن يكون بند التعليم والتدريب أهم بند في الخطة على الإطلاق، ويجب أن يحظى بأكبر قدر من النقاش الجدي والمسؤول.

أزعم أنني كنت أول نائب قدَّم اقتراحاً برلمانياً متكاملاً لزيادة ميزانية البعثات الخارجية ومضاعفة أعداد المبتعثين وتقديم امتيازات للطلبة المميزين. ويسعدني أن يتحقق في العام الحالي جزء من هذا الطموح بتخصيص 1800 مقعد في جامعات مميزة. وأتمنى توسع الخطة للاستفادة من الخبرات والتعليم المتطور، والذي سنحصد نتائجه بعد سنوات قليلة بكوادر رفيعة المعرفة والتدريب تستطيع أن تلبي حاجات البلد في سائر حقول المعرفة والأعمال.

أوجه دعوة صادقة إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن تضعا نصب أعينهما ورشة تغيير جذري في التعليم تنتهي إلى خطة مدروسة وطليعية وقابلة للتطبيق، مهما كانت الكلفة ومهما كانت العراقيل. فلا قيامة لبلد من دون أصحاب علم ومعرفة ومهارات، ولا مستقبل إذا استمر انهيار التعليم. ولنعلم جميعاً أن الاستثمار الوحيد الذي يشكل تراكماً غير قابل للاضمحلال ولا يتعرض للهزات والمفاجآت هو الاستثمار في الإنسان الكويتي.