خذ وخل: دنس.. 
كو أم يونسكو !

نشر في 27-09-2009
آخر تحديث 27-09-2009 | 00:01
 سليمان الفهد • رغم يقيني الجازم بأن إخفاق المرشح المصري العربي المسلم «د. فاروق حسني» في المعركة الانتخابية حول منصب مدير عام هيئة اليونسكو كان محسوما سلفا، فإني تعلقت بقشة تفاؤل رومانسية تسللت إلى وجداني من جراء تصديقي دعاوى الغرب بقبول الآخر، وحوار الحضارات وغيرهما من عناوين جذابة «بمعناها العربي الفصيح، وبحسب معناها باللهجة الكويتية سواء!».

وفي قاهرة المعز لاتزال الصحافة المصرية، بأطيافها كافة، مهتمة بشدة بالخوض في الأسباب الخفية والمعلنة التي أفضت إلى عدم نجاحه، لاسيما أنه بدا للغافلين منا- والعبد لله منهم- أن مرشحنا العربي كان قاب قوسين أو أدنى من النجاح! وهو انطباع ساذج ناشئ لجهلنا بآلية انتخاب المدير العام، وما يحدث خلالها من مناورات وتكتيكات وكل الممارسات الخارجة من رحم الغاية تبرر الوسيلة إياها، ووسط ركام الآراء والتعليقات المكرسة لتفسير وتحليل أسباب الفشل ومبررات الإخفاق العديدة المتباينة، ارتأيت أن أسأل مجربا كانت يداه في نار انتخابات «اليونسكو»، ووثق شهادته عنها في مصنف إبداعي روائي اسمه «دنسكو» أو «دنس.. كو» لا فرق! كما كان حريا بالمؤلف أن ينعتها.

• وهكذا وجدتني أعود إلى قراءة رواية «دنسكو» للشاعر الروائي والناقد الدكتور غازي عبدالرحمن القصيبي، مرشح المملكة العربية السعودية للمنصب ذاته منذ حوالي عشر سنوات، وبحوزتي الطبعة الرابعة (2006– دار الساقي– لبنان) وتقع في 173 صفحة من القطع الصغير، وتضم عشرة فصول، مكرس كل فصل فيها لشخصية محورية كالمدير العام للهيئة الدولية، أو الشخوص الأخرى المجسدة للشخصيات الدبلوماسية ذات الصلة بالمعركة الانتخابية الأممية المريرة.

وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه، فإن «دنسكو» قُدّت ونحتت من «ذكرى تجربة مثيرة» بحسب تعبير المؤلف كما ورد في الإهداء الموجه إلى (س.ف) والذي لا يمت بصلة إلى العبد لله لسوء حظه، كما اختار المؤلف أن يطرز الصفحة التالية للإهداء ببيت شعر لـ»أبي الطيب المتنبي» يقول فيه:

وما قضى أحد منها لبانته ولا انتهى أرب إلا إلى أرب

وتلتها صفحة نعتها المؤلف بـ»تمهيد» ينوه بـ»تدور هذه القصة الخيالية في منظمة دولية خيالية، تسمى باللغة الإنكليزية، ويذكر مفردات التسمية بالإنكليزية، لتقوده إلى نعتها المختصر دنسكو dansko وتسمى باللغة العربية: إدارة الآثار والطبيعة والاجتماع والمعرفة والتنظيم. الشاهد أن المؤلف كان يقصد «اليونسكو» ذاتها، لأن الخيال المزعوم في «دنسكو» يضاهي الواقع، وربما يبزه أفعالا ووقائع وممارسات تدب على أرض اليونسكو في كل انتخابات يشارك فيها عربي، أو أي مرشح من الجنوب يجرؤ على منافسة مرشح من الشمال المستحوذ على المناصب الدولية بصيغة أزلية مؤبدة! ولست بحاجة إلى القول إن أحداً من القراء سيصدق بأن «ذكرى تجربة مثيرة» هي محض خيال دبجه يراع روائي في ساعة شطح وتجل! ذلك أن الرواية تفصح من سطورها الأولى عن تجربة مرة علقمية للكاتب نفسه، استجاب لها بإبداع «دنسكو» المصوغة بمداد السخرية السوداء المعرية لسوءة دهاليز وخوازيق ومناخ الانتخابات الملبدة بفعلة العصا والجزرة، وما إلى ذلك مما يذكره الروائي في «دنسكو» بسرد طافح بالهجاء اللاذع الموجه إلى اليونسكو، وما يجري فيها ولها في الألفية الثالثة، ذلك أن واقع حال العالم وهيئة اليونسكو في هذه الألفية المباركة قد تجاوز جل ما ورد في رواية «دنسكو» من شطح وخيال! وكقارئ مريد متابع لإبداع الدكتور القصيبي، لا أظن أن «دنسكو» تضاهي أعماله الروائية السابقة (شقة الحرية، والعصفورية والجنية) لكن يحمد له توثيق تجربته المرة بمصنف إبداعي روائي آمل أن يقرأه «الدكتور حسني»، عله يجد فيه عزاء وسلوى وشد أزر، لاسيما أن سيادة الرئيس مبارك طالبه بأن يرمي وراء ظهره، كناية عن عدم الاهتمام بالنتيجة الخاسرة، ولن يجد وسيلة ممتعة، يستجيب بها لنصيحة الريس سوى مطالعة «دنس.. كو» مثنى وثلاث ورباع!

back to top