السباعي وآباء الرومنسيّة

نشر في 01-03-2010
آخر تحديث 01-03-2010 | 00:00
 محمد بدر الدين تحلّ ذكرى رحيل الأديب يوسف السباعي هذا الأسبوع فنتذكر رحلة الأدب والسينما المصرية - العربية مع الرومنسية، منذ الفيلم الرومنسي الرائد «زينب» - صامتاً فناطقاً - مروراً بعلامات بارزة للثنائي السباعي مؤلفاً وعز الدين ذو الفقار مخرجاً، وروائع بركات خصوصاً الفيلم الخالد «دعاء الكروان» عن رواية الرائد طه حسين، وصولاً إلى الأفلام الحديثة ذات المنحى الرومنسي في السينما المصرية مثل الفيلم المرهف «ولد وبنت» إخراج كريم العدل.

ما إن تذكر الرومنسية في السينما المصرية حتى يتبادر إلى الذهن فوراً السباعي ومعه عز الدين ذو الفقار، فيظلّ ما قدماه معاً نماذج لهذا اللون الجميل المؤثر والثائر، الذي يعلي الأحاسيس والوجدانية ويجسد التأملات والعواطف القوية، فذات الإنسان فيه هي الأساس في مواجهة الآخرين والكون والمشاعر الكبرى والحب بكل روعته ولوعته.

من بين الكلاسيكيات والأعمال الخالدة والمؤثرة والثائرة للثنائي السباعي نذكر: «بين الأطلال»، «إني راحلة»، «ردّ قلبي»، وتظل في وجدان المشاهد العربي أدوار ومواقف ولحظات عاشها أبطال هذه الأفلام: فاتن حمامة، مديحة يسري، مريم فخر الدين، عماد حمدي وشكري سرحان...

كان الحبّ الصادق العارم في الروايات - الأفلام، يقف في مواجهة عواصف كبرى وعوائق قاسية سواء طبقية أو عائلية أو اجتماعية (العادات والتقاليد...)، وفي تلك الأعمال شهدنا صراعاً درامياً ومواجهة بين الحبيبين ظلّت محتدمة ومتأججة، إلى أن ينتصر الحبّ ولو في الروح والذاكرة (أذكريني). حتى النهايات الحزينة والمؤسفة في دنيانا التي قد تودي بالحبيبين أو «تحرق» جسديهما (مديحة يسري ـ عماد حمدي)، بقي الخلود فيها للروحين الرفيقين، وظل لقاؤهما حتمياً وأبدياً ولو في عالم آخر... هذه هي الرومنسية وهذه نظرتها التي تتجاوز الواقع بقيوده وغبائه وتنطلق إلى عالم الحرية بلا حدود.

يمزج الثنائي الرومنسي المبدع في «رد قلبي» بين ثورة الوطن وثورة القلب، فلا غرابة في تقديم ثورة يوليو على نحو رومنسي بلا تحليل أبعاد الواقع الاجتماعي والسياسي المعقد، بل حلق الفيلم فوق أوضاع الوطن واستشرفها ورصدها وانتقدها وظل محتماً في النهاية انتصار الوطن وانتصار الحب، على رغم العوائق والفوارق كافة...

اتجهت مجموعة من أعمال السباعي في الأدب، التي قدمتها السينما أيضاً، إلى الواقعية وإن لم تخلُ من روح رومنسية قوية وجميلة في آن (السقا مات)، فيما اتجهت أخرى إلى كوميديا ذات طابع فانتازي مشوق (أرض النفاق).

لا غرابة إذاً في تقديم الرائد صلاح أبو سيف، مخرج الواقعية الأول في السينما المصرية، «السقا مات» في منتصف السبعينات الماضية، ليصبح الفيلم بدوره أحد كلاسيكيات السينما العربية وأحد أعمال مخرجه المميزة، وأحد أجمل ما قدمت السينما للسباعي (أداء متفوق لعزت العلايلي وفريد شوقي وأمينة رزق وإتقان مجمل فريق العمل)، ومن ضمن الأفلام النادرة في السينما المصرية التي قدمت على نحو مرهف ومؤثر قضية الموت، وقدمت على نحو جميل ومقنع الصداقة بين رجلين، فضلاً عن علاقة صورت بصيغة آسرة بين السقا (العلايلي) وطفله.

كذلك عالجت السينما نصوص السباعي ذات الروح الفكاهية العذبة والبعد الاجتماعي مثل «جمعية قتل الزوجات» و{أرض النفاق» الذي قدم مرتين، لكن أكثر ما يبقى على هذا الصعيد هو المرة الثانية التي قدمت فيها رواية «أرض النفاق»، إخراج سيد السينما الساخرة والكوميدية فطين عبد الوهاب، سيناريو الأديب وكاتب المسرح البارز سعد الدين وهبة، ويأتي هذا الفيلم في مقدمة أفلام نجمي الكوميديا الكبيرين فؤاد المهندس وشويكار، إلى جانب سميحة أيوب وعبد الرحيم الزرقاني وغيرهم، وما زال الفيلم، مثل الرواية، صالحاً للتعبير عن عصرنا ومجتمعنا العربي اليوم، حيث «النفاق» آفة كبرى ووسيلة ناجحة يستخدمها الوصوليون لبلوغ مآربهم...

back to top