كيف تكون الكتابة عن صديق؟

Ad

أقصد كيف تكون الكتابة بحياد وموضوعية تجاه التجربة الإبداعية لصديق، من دون أن تتأثر بعمر وزمن الصداقة المشتركة، ولحظات المعايشة، وذكريات العمر الحلوة أو حتى المرة، وأن تكتب بمعزل عن هذا الحنين الذي يكر بالزمن إلى الخلف، حتى تستعذب كل تلك اللحظات الذائبة في ذاك الزمن العابر كبرق لم يترك لنا وقتاً لنكبر فيه، أو لتتباعد تلك الأحلام وتغيب في هذا الهرس السريع للصداقات العابرة المنفلتة من وفائها.

كثير من الأصدقاء طلبوا مني الكتابة عن إنتاجهم الإبداعي، ودائما يردعني الخوف من عدم القدرة على حمل الأمانة، وعلى الكتابة بحياد مفرغ من عاطفتي تجاههم، وهو الشيء الذي أتحاشاه وأتلافى الوقوع في مصيدة عواطفي.

لكني وجدت نفسي وأنا أقرأ في ديوان الصديق أحمد الشهاوي «أسوق الغمام» على الإنترنت، وأرى صوره المرافقة للديوان، لم أشعر إلا بالحنان يداهمني ويسبقني في تصفحه، وكأن العمر واللحظات ينطان من بين الصفحات، فهل ممكن أن تكون كتابتي عنه محايدة؟ وهذا النستالجي لا يترك لي إلا الشعور بالمحبة لكل ما مر من زمن بيننا ولتلك العشرة الحلوة، وتلك الصداقة النظيفة التي بكل أمانة لم يلطخها الكذب أو النفاق أو المصلحة، فمعرفتي بأحمد الشهاوي أكبر وأصدق من كل هذا الزيف، معرفة امتدت منذ 1989 إلى اليوم، صحيح كان فيها فترات اقتراب وفترات ابتعاد بحسب وجودي في القاهرة، وكنت في البداية أظن أن تجربته متأثرة بل ملتصقة أو مستعارة من التراث الصوفي، فلا أحد يستطيع الفكاك من فخ التراث الصوفي حين يقرأه، لكن مع تقدم أحمد ومع استمراريته في النهج الصوفي بات من الواضح أنها تجربة حقيقية لا حالة زائلة، فهي واقع حياتي لأحمد لا تأثر بنمط أو باستلاف شكل للكتابة، أو أنه مأخوذ بسحر الصوفية ودروشتها، أحمد هكذا هي حقيقته التي أثبتها لنا الزمن ودواوينه المتتالية والغارقة في ذات البئر الروحية التي يمتح منها أحمد غرفة وراء غرفة من نبع معرفة روحية أصيلة، لا مجال للكذب فيها، فهذا الشعر يشبهه تماما، ففي أعماقه وفي تصرفاته وعلاقاته، مختبئ هذا الصوفي الذي تفضحه طريقة تعامله مع الأصدقاء في حياته اليومية، إنه يتعامل بروح وجوهر الصوفي الذي يعيش في حضارة هذا القرن وسلوكه وعاداته، مع كل أصالة أحمد التي تعطي من ذاتها بلا حدود، فلم أعرف منه إلا العطاء والنصح الدائم منذ لبنة المعرفة الأولى وأحمد يحثني على الاهتمام أكثر بعملي وعلى متابعته وإبرازه بأفضل صورة، وأن أصر على إقامة الأمسيات وعلى ترجمة أعمالي وعلى السفر، وأنشطة كثيرة لم أعمل منها شيئاً لأني لا أملك طولة البال هذه، وحقيقة وللأسف لم آخذ بنصائحه الآتية من روح لا تعرف الأنانية ولا الاستحواذ، لأنه يوزع اهتمامه ونصائحه ومحبته للجميع، فهذا هو أحمد الصوفي الحقيقي بموديل القرن الحالي.

وديوانه «أسوق الغمام» رقت كلماته وباتت تشبهه تماما، ملتصقة في صدق حياته وبساطة صوفي هذا الزمن لا كلمات ولغة وإحساس ذاك الصوفي القديم الذي تجربته تماثل زمنه، أحمد في تجربته هذه تطابقت أفعاله وأقواله بنعومة وبشفافية، وبرقة مترعة، ومرهفة في أحاسيسها حتى اليومي والعادي منها.

أحمد في «أسوق الغمام» أثبت أنه شاعر صوفي قلبا وقالبا، وتجربته حفرت اسمه ووقعته ببريق النجوم، وهذه حفنة من نجومه:

* لم تحط بي خطيئة/ زبد ويذهب/ لكنه يجرح الشاطئ/ ويرش ملحه أحيانا/ في عين شمسي.

* لا تكذبي شمسا/ لستُ غامضا/ إلى الحد الذي تحار في فهمي فراشة/ ولا إلى الحد الذي تتشكك سماءٌ/ في سم روحي. /فقط /عندما أحب/ أمنح نفسي.