المجتمع الكويتي من أكثر المجتمعات الذي تسري فيه «الهبَّات» بمعنى القضية أو الفعل الذي يتناوله الجميع في وقت واحد ثم ينسى لاحقاً، و»الهبَّة» غالباً تصبح الشغل الشاغل للمنتديات والدواوين ومواقع العمل، وحتى جمعات «شاي الضحى» للنساء التي بدأت تندثر لمصلحة تجمعات «الكوفي شوب» الصباحية في المجمعات وفنادق الخمسة نجوم.

Ad

و»هبَّة» الكويتيين هذه الأيام هي ما أثاره تحرك مجموعة الــ26 ومطالبها، ورغم أن تحرك هذه المجموعة هو أمر اعتيادي في بلد ديمقراطي له تاريخ طويل في المبادرات المجتمعية التي تناولت قضايا سياسية واقتصادية منذ بداية القرن الماضي، فإنه أثار جدلاً لأنه تناول قضايا تتعلق بامتيازات مالية تتعلق بالقروض والرواتب والفوائض التي يتطلع الجميع إليها منذ سنوات، ويبحثون السبل المثلى للتعامل معها.

وفي كل مكان أدخل إليه منذ ثلاثة أسابيع أجد نفسي في وسط «معمعة» نقاش عن مجموعة الــ26 وأهدافها حتى كانت لي أخيراً محطة في أحد تجمعات لموظفين في مكتب زميل لي في إحدى الجهات الحكومية، احتدم فيه النقاش عن الغايات التي أعلنتها المجموعة لتحركها ومدى مصداقيتها وجديتها في تحقيق العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.

الأغلبية اتفقت على أن الأهداف المعلنة للمجموعة لا يمكن التشكيك فيها، فحماية الثروة الوطنية وتعظيمها، والإصلاح والتنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية لا يمكن أن يختلف عليها أحد أو يرفضها، ولكنهم تمنوا أن يضيف الإخوة أعضاء المجموعة هذه النقاط العملية إلى برنامجهم، وأن تطالب المجموعة بـ:

• أن يقدم محافظ البنك المركزي وجميع أعضاء مجالس إدارات البنوك التي أدت تجاوزاتهم وممارساتهم في قضية القروض إلى الجدل القائم في البلد منذ خمس سنوات، وتسبب في مشكلات اجتماعية لا يمكن إنكارها، اعتذاراً علنياً للشعب الكويتي يعلنه اتحاد المصارف الكويتية، ويتخلوا بعد ذلك عن مواقعهم، وأن يثبَّت صندوق المعسرين كحل للمشكلة. (هناك سوابق في اليابان وكوريا وأميركا قدمت فيها اعتذارات علنية من مسؤولين ورجال أعمال لشعوبهم، وكانت عبارة عن عقاب أدبي، وطي لصفحة مشكلة وطنية حتى يمكن تجاوزها).

• أن تقوم الغرف والاتحادات التجارية المختصة بتأنيب علني للشركات التي تلاعبت بالمشاريع الحكومية أو تقاعست عن إنجازها بالشكل المطلوب (محطة مشرف، واستاد جابر، ... إلخ) وتسببت في فقدان الثقة بالقطاع الخاص وتجار الكويت، وتشويه سمعتهما في الخارج، كما حدث في مشروع السفارة الأميركية في بغداد، وأن تقوم برفع أسمائها من قوائمها.

• أن تزاد الرسوم بنسبة كبيرة على الأراضي السكنية الفضاء، بما يؤدي إلى حل المشكلة الإسكانية المزمنة في الكويت.

• أن يوقف منح أراض حكومية تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدنانير لبناء المزيد من المشاريع الاستهلاكية (مجمعات تجارية)، ويوقف تحويل الشويخ الصناعية والري إلى مقاطعات من «المولات» ويُحوَّل نهج تأجير الأراضي الحكومية إلى مشاركة الدولة بنسبة بسيطة من الإيجارات المحصلة، خصوصاً في مشاريع المجمعات التجارية غير المنتجة والجاذبة لأعداد كبيرة من العمالة الوافدة البسيطة التي تضغط على الخدمات العامة للدولة، علماً أن تحصيل الدولة نسبة من الإيجارات سيجلب إيرادات كبيرة للخزانة العامة تحفظ الثروة الوطنية (قيمة الأراضي الحكومية المستغلة).

• أن تحث المجموعة الحكومة على تشكيل لجنة قضائية للكشف عن المتلاعبين والمتجاوزين في الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية (البورصة) مما تسبب في ضياع مئات الملايين من مدخرات الكويتيين.

• أن تتبنى الحكومة لبنة مشروع قانون ضريبي يشرع بفرض ضرائب على مَن يزيد دخله السنوي على سقف 250 ألف دينار، ويتناقص السقف بمعدل زمني مدروس حتى يعمم النظام الضريبي العادل على الجميع خلال 25 عاماً، تزامناً مع بداية تراجع الدخل الوطني من النفط.

هذا بعض ما خرجت به من مطالب مواطنين في ذلك المكتب الحكومي، وهم يمثلون عينة من الأغلبية التي تعكس الطبقة الوسطى من الموظفين، حتى تتحول تحركات مجموعة الــ26 إلى حركة شعبية وليست كما يدعى البعض أو يروِّج بأنها تجمع نخبوي، فهل تتبنى المجموعة هذه المطالب حتى تقول لها أطياف المجتمع الكويتي كافة: «وحنا بعد وياكم»؟