الرواية الملعونة

نشر في 10-05-2010
آخر تحديث 10-05-2010 | 00:00
 فوزية شويش السالم رواية «جوستين» للماركيز دو ساد، تتشابه بالاسم مع رواية جوستين التي هي أحد أجزاء رباعية الإسكندرية للكاتب لورنس داريل، لكن رواية دوساد أقدم منها بكثير، فقد كتبت في عام 1791، وحذر بيعها أو نشرها أو توزيعها، كما أمرت الحكومات الفرنسية المتعاقبة 1815، 1825، 1845، بمصادرتها ومصادرة جميع ترجمات الكتاب.

والرواية في رأيي لم تصادر لأنها فاحشة، بل لأنها تروج للعنف والجريمة وتمجدهما بشكل مطلق.

الماركيز دوساد أعظم زعيم للكتاب الملعونين عبر التاريخ، وأكبر داعية للتخلي عن كل ما ينتمي إلى الأخلاق والفضيلة. رواية جوستين لم تأخذ من فن الرواية إلا الشكل الحكائي الذي استغله دوساد ليبني عليه أطروحاته في فن الإجرام وفي تبريراته المنطقية له، وللتنظير لفلسفته الكابوسية في طقوس العنف، وذلك لسلاسة التوصيل ولفاعليته الدرامية التي تميز فن الرواية، لذا نجده قد استعار ثوب الحكي ليسدله على تنظيراته الفلسفية الداعية إلى التلذذ بالعنف والجريمة، لهذا نجد الرواية خالية من التقنيات الفنية، كما أنها تخلو من مشاهد الفحش الجنسي فهو ليس هدفه كما يتوهم الجميع، لأن المراد من تصرفاته هي المتعة المتولدة من مشاهدة العنف ومن الرعب المتولد لدى الضحية، لذا سكب جل أطروحاته في منالوجات طويلة تشرح وتبرر العنف والجريمة من قبل أبطاله الرجال لبطلة الرواية جوستين التي ينتحر والدها من بعد إفلاسه، ويتركها هي وأختها فريسة للجوع والفقر، تتجه أختها إلى الدعارة وتتمسك جوستين بعفتها وبالفضيلة، فيفترق طريقهما لتصبح أختها العاهرة سيدة مجتمع ثرية، وجوستين تقابل أنواعاً مختلفة من الرجال، منهم المرابي والطبيب، والماركيز، ورجل الأعمال، والكونت، ومزيف العملة، وقطاع الطرق، ورجال المحفل الديني، وكل هؤلاء يمارسون التعذيب بكل أشكاله، ويبررون جرائمهم بمنالوجات طويلة، وهي هدف الرواية الأساسي التي لو سُكبت في كتاب لشرح فلسفة العنف ولذة التعذيب، لولدت نظرية ومدرسة خاصة للماركيز دوساد دون حاجة إلى رصفها في رواية.

ومن هذه الفلسفة اخترت بعض ما جاء على لسان أبطالها، فمدام ديبو تقول: المشاعر الوحيدة التي تورطنا هي المشاعر الأخلاقية لأنها زائفة دوما، لكن القوي يعرف موقع اهتماماته الحقة، يهزأ بالرب والإنسان، يتحدى الموت، يزدري القوانين، على قناعة عميقة بأنه وحده قياس لكل شيء، لا يرتعبن أحد أو يتأخر لو أرغمته روحه على الشر، ليرتكب الجرائم دون أسف ساعة إحساسه بالضرورة، فالبشر بمقاومة هذا الباعث يعملون ضد الطبيعة.

وعلى لسان د. رودن يكتب دوساد: «وهكذا ترين أن القوانين التي تُجرم غشيان المحارم لا تجلب غير التعاسة، لكن في مجتمع مؤسس على الشر حيث لا يُجرم غشيان المحارم، فكل من لا يرغب فيه لن يجلب على نفسه التعاسة، ومن يرغب فيه سيجلب على نفسه السعادة.

كذلك برر قتل الآباء للأبناء بالاستناد إلى رسائل بأسفار التوراة، واستشهد فيها بالنبي إبراهيم».

وهو ينظر إلى المرأة على أنها جنس حقير، وأن الرجال لو خلقوا من دون النساء لناطحوا الآلهة، ويستشهد بتاريخ البشرية المضطهد للمرأة من الميديين، الفرس، البابليين، الإغريق، الرومان، اليهود، العرب، القرشيين منهم بالذات الذين يئدون بناتهم على جبل قرب مكة، والهنود الذين يحرقون الزوجة مع زوجها، والفراعنة الذين يضحون بهن قربانا للآلهة، وغيرهم.

يجب أن نحمد الله أن الماركيز دوساد لم يكن حاكماً، وهذا لحسن حظ البشرية، ولسوء حظه، وإلا لانضم إلى سلسلة عتاة المجرمين مثل كاليجولا، ونيرون، وهتلر، وصدام حسين، وغيرهم من دعاة العنف ومن عشاق الجريمة، ومن مؤيدي انتخاب الطبيعة وتفضيلها للأقوى. 

back to top