حتى لا تضيع اللحظة التاريخية!
القرار الذي اتخذته اللجنة الرباعية الدولية، الأمم المتحدة وأميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي، في اجتماعها الأخير في موسكو لا يجوز "تبخيسه" والتقليل من أهميته واعتباره لعبة أميركية - إسرائيلية لامتصاص الغضب العربي والإسلامي فهو، أي هذا القرار، غير مسبوق على الإطلاق، وأهم ما فيه أنه جاء كدلالة على أن العالم لم يعد يحتمل إسرائيل وتصرفاتها، ولم يعد يتعامل مع هذه الدولة على أساس عقدة المحرقة و"الهولوكوست"، وهذا يعتبر انتصاراً حقيقياً للقضية الفلسطينية بشرط أن يتابع العرب هذه الخطوة بهدوء وبدون صخب، ووفقاً للمصالح المشتركة التي تربطهم بالدول الكونية الفاعلة والمؤثرة.لا بأس أن يتظاهر الفلسطينيون، وأن يعبر "الشارع العربي" عن رأيه، لكن على ألا يكون هذا بديلاً لهذه المعركة الدولية المحتدمة التي حقق فيها الفلسطينيون وحققت فيها القضية الفلسطينية انتصاراً مهماً جداً بشرط أن تكون هناك متابعة متزنة وواعية، بحيث لا يبدِّد المزايدون وتجار الشعارات والذين يهزون قبضاتهم عن بعد هذا الانتصار العظيم فتخرج إسرائيل من ورطتها الحالية ويخسر الشعب الفلسطيني والعرب جولة كسبوها في أخطر وأدق وأهم مرحلة تمر بها القضية الفلسطينية.
إن أكثر ما يسعد إسرائيل ويريحها، وقد غدت محاصرة دولياً على هذا النحو، هو أن تكون هناك انتفاضة مسلحة جديدة على غرار ما سمي انتفاضة الأقصى، وهو أن تنطلق الصواريخ الدخانية والكرتونية مرة أخرى، فهذا سيكون المبرر الذي ينتظره الإسرائيليون كي يتخلصوا من المعادلة الدولية المستجدة بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، وكي يحولوا المواجهة من مواجهة سياسية ميدانها العالم كله، الرابح فيها هو القضية الفلسطينية، إلى مواجهة عسكرية ساحتها الضفة الغربية وغزة، من المؤكد أن الإسرائيليين سيكونون هم الرابحين فيها، والأسباب هنا معروفة، أولها أن هذه المواجهة العسكرية ستأخذ طابع ما يجري في أفغانستان من حرب بين جبهة الإرهاب وجبهة السلام. إنها جريمة سياسية، ما بعدها جريمة، أن يُعتبر ما جرى في موسكو قبل أيام مجرد لعبة كونية هدفها امتصاص نقمة وغضب الفلسطينيين والعرب والعالم الإسلامي، فالإنجرار وراء التيار، الذي ينظر إلى ما فعلته اللجنة الرباعية في اجتماعها الأخير في العاصمة الروسية، وهو التيار الإيراني الذي له خالات وعمَّات في المنطقة العربية، على أنه مؤامرة، سيُعطي إسرائيل انتصاراً مجانياً، وسيجعل العالم يعود إلى "المقولة" القديمة الجديدة التي تعتبرنا ضياعي فرص، وعندها فإن اليمين الإسرائيلي سيواصل عربداته، وستكون حالنا كحال "الراعي والذئب" في الحكاية الشعبية المعروفة.بعد أيام من المفترض أن تلتئم قمة "سرت"، والمفترض ألا ينشغل العرب بإعلان "الجهاد" على سويسرا، وألا ينسوا هذه المعركة الكونية، التي كسبت القضية الفلسطينية جولتها الأخيرة في اجتماع اللجنة الرباعية، إذ أصدرت بياناً غير مسبوق على الإطلاق، وبدلا من أن يلتقطوا هذا الانتصار ويضعوا خطة سريعة لمتابعته وتطويره نجدهم ينقسمون إلى "قيس ويمن" وإلى "فسطاط ممانعة ومقاومة" ومعسكر اعتدال، فتضيع لحظة تاريخية ثمينة وتنقلب المعادلة من انتصار للفلسطينيين وقضيتهم إلى انتصار لـ "بنيامين نتنياهو" وحكومته اليمينية المتطرفة.لقد بات واضحاً، إلا لمن لا يريد أن يرى، ولمن يعتبر أن معركته هي معركة إيران التي لا علاقة لها بفلسطين ولا بالقضية الفلسطينية، أن بنيامين نتنياهو عندما سيذهب إلى واشنطن لحضور اجتماع الـ "إيْباك" سيجد أمامه حقائق غير مُسرّة لا له ولا لحكومته، وهنا فإن الخوف كل الخوف أن تدفع طهران "حماس" أو غير "حماس" من الفصائل الفلسطينية إلى تنفيذ عملية انتحارية فتتغير اتجاهات الرياح ويتكرر ذلك الذي جرى عندما أراحت مثل هذه العمليات أرئيل شارون من مواجهة كانت في ذروتها في بدايات هذا العقد بينه وبين الإدارة الأميركية.