لقد ابتكرت الصين استراتيجية جديدة لتخفيف الضغوط التي تتحملها سجونها المكتظة بالنزلاء: تشغيل السجناء المدانين كعمال في مشاريع بالخارج في بلدان العالم النامي، وتكشف هذه الممارسة عن جانب آخر من الجوانب الفظيعة لسجل الصين في مجال حقوق الإنسان، والذي بات الآن يشتمل على إخفاق الحكومة في فرض تنظيماتها حين يتعلق الأمر بالمشروعات التي تنفذها الشركات الصينية في الخارج.

Ad

إن عدد أحكام الإعدام التي تنفذها الصين سنوياً يفوق نظيره في بقية بلدان العالم مجتمعة، وطبقاً لتقديرات منظمة العفو الدولية فقد أعدمت الصين سراً في عام 2007 نحو 22 شخصاً في المتوسط يوميا.

وبالإضافة إلى كونها الجلاد الرائد على مستوى العالم فإن سجون الصين تضم العدد الأكبر من النزلاء على مستوى العالم، فطبقاً لقائمة تعداد نزلاء السجون على مستوى العالم، والتي تولى إعدادها مركز دراسات السجون في كلية كينجز بلندن، يبلغ إجمالي عدد السجناء في السجون الصينية 1.57 مليون شخص- وهذا يفوق عدد سكان أستونيا، أو غينيا بيساو، أو موريشيوس، أو سوازيلاند، أو ترينيداد وتوباغو، أو فيجي، أو قطر.

وتثير مسألة الإرسال القسري للسجناء إلى الخارج للعمل في مشاريع البنية الأساسية عدداً من القضايا الجديدة المرتبطة بسجل الصين في مجال حقوق الإنسان. كما تضيف عنصراً جديدا- التخلص من السجناء المدانين- إلى سياستها التجارية والاستثمارية، والتي كانت عُرضة للانتقادات الشديدة نتيجة لإغراق الأسواق العالمية بالسلع.

على سبيل المثال، أجبرت السلطات الصينية السجناء المدانين على العمل في مشاريع تتولى تنفيذها شركات صينية تديرها الدولة في سريلانكا، وهي الشريكة التي تشكل أهمية استراتيجية كبيرة في ضوء المساعي الصينية الرامية إلى تحسين موقف الصين الإقليمي في المحيط الهندي. وبعد تزويد حكومة سريلانكا بالأسلحة الهجومية التي ساعدتها في إنهاء الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد طيلة عقود من الزمان، كوفئت الصين بتنفيذ مشاريع إنشاء الموانئ والسكك الحديدية، وغير ذلك من مشاريع البنية الأساسية في سريلانكا.

كما أرسلت الصين سجناءها المدانين إلى جزر المالديف، حيث تتولى الحكومة الصينية بناء أربعة آلاف مسكن على العديد من الجزر المختلفة كهدية من الحكومة الصينية إلى حكومة المالديف، بهدف كسب النفوذ. ولكن حتى الآن، فشلت الصين في إقناع رئيس البلاد بمنحها عقد استئجار لإحدى جزر المالديف السبعمئة غير المأهولة بالسكان لاستخدامها كقاعدة صغيرة للبحيرة الصينية.

وتتلخص ممارسة الشركات الصينية التي تعمل في مشاريع في الخارج، بما في ذلك في إفريقيا، في إبقاء عدد العاملين المحليين عند أدنى حد ممكن وجلب القدر الأعظم من الأيدي العاملة من الصين، وهذا يشتمل على مدانين "مفرج عنهم" بموجب إفراج مشروط للعمل في مشاريع بالخارج. ويتم تسكين العمال من السجناء المدانين، مثلهم في ذلك كمثل بقية العاملين الصينيين في مثل هذه المشاريع، بالقرب من مواقع تنفيذ المشاريع. وبهذه الطريقة يصبح من السهل العثور على أي عامل مدان هارب في هذه البيئة الغريبة.

ومن الناحية النظرية، تتعارض هذه الممارسات مع اللوائح التنظيمية التي أصدرتها وزارة التجارية الصينية في شهر أغسطس من عام 2006، في استجابة لردود الفعل الغاضبة إزاء ممارسات الشركات الصينية في زامبيا في أعقاب مقتل 51 من العمال الزامبيين في انفجار وقع في منجم نحاس تمتلكه الصين. ولقد دعت هذه اللوائح التنظيمية إلى "المحلية"، بما في ذلك استئجار العمال المحليين، واحترام العادات المحلية، والالتزام بقواعد السلامة. وأثناء جولته في أفريقيا في عام 2007، والتي زار خلالها ثماني دول، كان الرئيس الصيني هو جين تاو حريصاً على الاجتماع بممثلي الشركات الصينية العاملة هناك للتأكيد على أهمية تحمل الشركات مسؤولياتها في إطار تعاملاتها المحلية.

فضلاً عن ذلك، فقد أصدر مجلس الدولة- مجلس الوزراء الصيني- في أكتوبر 2006 تسعة توجيهات تأمر الشركات الصينية العاملة في الخارج، بين أمور أخرى، بالاهتمام بحماية البيئة، ودعم المجتمعات المحلية ومعايش أهلها، والحفاظ على صورة الصين وسمعتها الشركاتية الطيبة.

بيد أن اللوائح التنظيمية الصينية تصدر في بعض الأحيان لمجرد تخفيف الانتقادات الخارجية، لذا فهي نادراً ما تطبق، إلا حين تجتذب قضية ما اهتماماً دوليا. على سبيل المثال، في عام 2003 استنت الصين قانوناً خاصاً بتقييم الأثر البيئي، ثم أتبعت ذلك في عام 2008 باتخاذ "تدابير مؤقتة" للسماح بالمشاركة العامة في مثل هذا التقييم. ومع ذلك فقد ظل قادة الصين أكثر تحمساً لتعزيز الصادرات والنمو الاقتصادي مقارنة بتحمسهم لحماية الهواء والماء. وعلى نحو مماثل، كانت التوجيهات التسعة التي أصدرها مجلس الدولة في عام 2006 للشركات الصينية العاملة في الخارج في مرتبة دنيا مقارنة بالدافع إلى التصدير والنمو، رغم ما فرضه ذلك التجاهل من تكاليف بيئية واجتماعية على المجتمعات المحلية في الخارج. بل في إطار سياسة "التوجه نحو العالمية" عرضت حكومة الصين على الشركات الصينية حوافز ومكافآت كبرى في مقابل التعاقد على تنفيذ المشاريع في الخارج وتعزيز الصادرات.

والواقع أن استخدام السجناء المدانين كعمال في الخارج يضيف بعداً جديداً مزعجاً إلى هذه الاستراتيجية، ولكن حتى قبل أن يصبح السجناء المدانون جزءاً من جهود التنمية الصينية في الخارج، كانت بعض المشاريع الصينية، خصوصا مشاريع بناء السدود، متورطة في نزاعات مع المجتمعات المحلية في بوتسوانا، وبورما، وباكستان، وغانا، والسودان، بل قبل ثلاثة أشهر فقط، انفجر عدد من القنابل الصغيرة في موقع إنشاء سد ميتسون في بورما، وهو السد الذي تسبب تشييده بواسطة شركة صينية في ولاية كاتشين التي مزقها التمرد في تشريد الآلاف من صغار المزارعين وصيادي الأسماك بعد إغراق مساحات شاسعة من الأراضي.

إن الشركات الصينية غير قادرة بمفردها على إطلاق سراح الآلاف من المساجين، ناهيك عن تأمين جوازات السفر وتصاريح الخروج لهم، ومن الواضح أن هذه الممارسة تتم بأوامر صادرة عن الحكومة الصينية.

وإلى أن تسترشد الحكومة الصينية في تعاملها مع مواطنيها ومواطني البلدان الأخرى بالاحترام الواجب لحقوق الإنسان الأساسية وحكم القانون، فمن غير المرجح أن تحظى الصين بالاحترام الذي تسعى إلى تأمينه على الساحة العالمية.

* براهما تشيلاني | Brahma Chellaney ، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، ومؤلف تسعة كتب، منها "الطاغوت الآسيوي"، و"المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا"، و"المياه، والسلام، والحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية".

«بروجيكت سنديكيت، 2016»»بالاتفاق مع «الجريدة»