نهاية الأحزاب العربية!
هناك شكوى، وهي شكوى صحيحة ومحقة، من أن العمل الحزبي، الإسلاموي والقومي واليساري، قد بدأ يتخذ إما الطابع المذهبي الطائفي أو الطابع الجهوي العشائري، وهذا لا يقتصر على الواقع العربي وحده وإنما يشمل أيضاً دولاً عريقة في ديمقراطيتها كبريطانيا العظمى التي شهدت قبل أيام معركة انتخابية شرسة لم تشهد مثلها منذ مدة طويلة.مع أن حزب المحافظين قد جاء في مقدمة الأحزاب التي فازت في هذه الانتخابات، وهي حزب العمال وحزب الأحرار الديمقراطيين، فإن أصواتاً كثيرة قد خرجت لتقول إن هذا الحزب هو حزب جهوي إنكليزي، وإن تواضع فوزه في اسكتلندا وويلز يجعله غير جدير بأن يتولى الحكم في المملكة المتحدة، ومثل هذا الكلام يسمع لأول مرة في بلد يعتبر ديمقراطياً أقدم وأرسخ ديمقراطية في العالم.
في واقعنا العربي هناك أكثر من مثل يدل على أن الأحزاب القومية أو اليسارية، التي كانت عنوان مرحلة صراع المعسكرات والحرب الباردة في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، قد تحولت مع الوقت إلى أحزاب إقليمية وجهوية وطائفية، وأنها غادرت مواقعها السابقة، وأن ما تبقى منها لا يمت إلى ذلك الماضي البعيد بأي صلة، وأنه حتى حزب البعث المتشظي لم يعد موجوداً عملياً إلا في سورية، باعتباره الحزب الحاكم، وإلا عبارة عن بقايا تشرذمات تنظيمية في العراق تتخذ الطابع المفرق في طائفيته ومذهبيته. هذا بالنسبة إلى الأحزاب القومية واليسارية، أما بالنسبة إلى القوى والتيارات الإسلاموية وعمادها جماعة الإخوان المسلمين، فإن ما انتهى إليه وضعها التنظيمي والسياسي يدل على أن إصابتها بـ "الفيروس" الطائفي والمذهبي والجهوي والإقليمي جاءت قاتلة بمعنى الكلمة، ولعل ما جرى في تنظيم هؤلاء الأردني أخيراً يدل على أن هذه التيارات ماضية إلى التلاشي، وعلى غرار ما حل بحزب البعث وتجربته القوميين العرب، وبالحزب الشيوعي والقوى التي كانت تصف نفسها بأنها لينينية وماركسية وتدور في فلك الاتحاد السوفياتي العظيم!إن الظاهرة الحزبية في لبنان بصورة عامة ظاهرة طائفية، فحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار كانا ولا يزالان حزبين مارونيين، وكان الحزب الاشتراكي ولا يزال حزباً درزياً، أما الأرثوذوكسيون فإنهم توجهوا بغالبيتهم إلى حزب البعث عندما كان موحداً ووجوده حقيقياً في معظم الدول العربية، أما بالنسبة إلى السنة فإن حزبهم كان حزب النجادة، وبهذا فإن الطائفة الوحيدة التي كانت طائفة قومية التنظيم ويساريته هي الطائفة الشيعية التي للأسف قد انتهت إلى طائفية ومذهبية بغيضة.إن هذا هو واقع الحال ليس في الدائرة العربية وحدها، وإنما في الدائرة العالمية كلها، مما يتعين على المفكرين أن يدرسوا هذه الظاهرة دراسة معمقة وجدية، وأن يبحثوا عن بدائل تحل محل هذه التشوهات الحزبية التي أقحمت الكثير من الدول في حروب أهلية وصراعات دينية ومذهبية وإثنية، على غرار ما يجري في دول إفريقية وأميركية لاتينية وآسيوية عديدة.