«الحوار» المعطّل في الشرق الأوسط
كشفت مساع مكثّفة لمد يد الحوار إلى العالم الإسلامي على مدى عام عن تفاوت بين أولويات إدارة أوباما وأولويات حلفائها المحتملين في الشرق الأوسط.
يتشاطر كثير من الناخبين الأميركيين وآخرون في العالم الإسلامي شعوراً أساسياً من خيبة الأمل في باراك أوباما، الذي خاض وفريقه في السياسة الخارجية حملةً ناشطة على مر العام الماضي لمد يد الحوار إلى 1.5 مليار مسلم في العالم. لكن لسوء الحظ، أعطت هذه الحملة عكس النتيجة المرجوة، أقلّه بطريقة واحدة مهمّة، فلعام من "الحوار" المكثف بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي فقد أثر معاكس يتمثل في كشف التفاوت بين أولويات إدارة أوباما وأولويات حلفائها المحتملين في الشرق الأوسط.
جلّ ما يريده العرب وآخرون كثر من مسلمي الولايات المتحدة خارج إطار المساعدة الاقتصادية وغيرها لبلادهم هو تدخل هذه الأخيرة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن ليس هذا ما تريد إدارة أوباما التحدث عنه اليوم. فبالنسبة إلى الولايات المتحدة، تأتي المواجهة النووية مع إيران أولاً، ويتبعها الحرب في أفغانستان، والمشكلة المتواصلة المرتبطة بإقامة دولة فلسطينية على ما يبدو.حين حاول أوباما إطلاق محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية العام الماضي، انتعشت آمال العرب، لكن محاولته القيام بتسوية سريعة باءت بالفشل حين تجاهلت إسرائيل دعوته إلى وقف توسيع المستوطنات ورفضت البلدان العربية طلبه تطبيع العلاقات مع إسرائيل.قال لي نبيل فهمي، سفير مصري سابق لدى الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي في قطر، إن الرئيس قام بمحاولة، "لكنها لم تثمر نتائج ملموسة. لذلك هو في نظر العرب رجل لطيف لا يستطيع الإيفاء بوعده". يعكس ذلك صورة سيئة عن قوة عظمى، لاسيما قوة تحاول كسب الأصدقاء عبر "القوة الناعمة" للتحاور في مقابل "القوة الصلبة" للتحرّك العسكري.تحدثت إلى فهمي وعشرات الشخصيات الأخرى البارزة في العالم الإسلامي الأسبوع الفائت في المنتدى العالمي الأميركي الإسلامي، وهو عبارة عن مسعى سنوي للمساعدة على اعتراض أي صدام عالمي بين الحضارات، فهذا المنتدى شبيه بـ"منتدى دافوس"، إنما مع فارق وجود رمال بدلاً من الثلج.ترددت وجهة نظر فهمي على لسان سياسيين، وعلماء وقادة مجتمع مسلمين من جميع الأطياف. من جهته، يفيد عبدالعزيز عمري، عضو معارض في البرلمان المغربي: "نود التحاور مع الولايات المتحدة، لكننا نرى فجوةً في مصداقيتها. فمعظم العرب مستاؤون جداً من السياسة الأميركية (تجاه إسرائيل)، هذا فضلاً عن أن الولايات المتحدة برأينا لا تقدم دعماً حقيقياً للديمقراطية في المنطقة. بالنسبة إلينا، المسائل الأخرى ليست ذات أهمية كبيرة".أرسلت الإدارة الأميركية وفداً كبيراً من قبلها إلى المؤتمر برئاسة وزيرة الخارجية هيلاري رودهام كلينتون، لكن الأميركيين اتخذوا موقفاً دفاعياً. قالت كلينتون للحضور: "أعلم أن الناس يشعرون بخيبة أمل... أتفهم كلياً أهمية هذه المسألة بالنسبة إلى الناس في المنطقة وأيضاً في أنحاء العالم". وبعدما وعدت بـ"أننا عازمون على إيجاد حل نهائي لهذا الصراع"، حذّرت من أن دور الولايات المتحدة محدود بما أن اتخاذ القرارات بيد الإسرائيليين والفلسطينيين وحدهم. علاوةً على ذلك، أرادت التحدّث بشكل أساسي عن مسألتين أخريين: لناحية القوة الصلبة، خطر نشوء دولة إيرانية مسلّحة نووياً، وتقع على بعد نحو 260 كم من الدوحة عبر الخليج العربي؛ ولناحية القوة الناعمة، البرامج الأميركية الجديدة لمساعدة الدول الإسلامية على التطور على صعيد التعليم، والصحة، والعلم.من جهة أخرى، فإن عدم استعداد الإدارة لتعليق آمال كثيرة على محاولاتها المستمرة لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية مبرر، إذ فشل أوباما فشلاً ذريعاً في محاولته الأخيرة التدخل في هذا المسار.كان قد طلب هذا الأخير من الجانبين الإسرائيلي والعربي القيام بتنازلات استباقية، إكراماً له بشكل أساسي. لكن أياً من الطرفين لم يستجب بالطريقة التي كان يأملها، فحين طلب أوباما من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجميد عمليات توسيع المستوطنات اليهودية كافة على الأراضي المحتلة، قدّر نتنياهو على نحو مصيب بأن مكانته السياسية في إسرائيل قد تتعزز حين يتّخذ موقفاً استقلالياً عنيداً. وهكذا رد طلب أوباما في وقت قال فيه العرب إنهم لا يستطيعون الجلوس إلى طاولة المحادثات ما لم يتم تجميد بناء المستوطنات. بنتيجة الأمر، وصلت العملية إلى نقطة جمود محرجة. ها هي الإدارة اليوم تعمل بوتيرة أبطأ، مرسلةً مبعوثها إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل للدعوة إلى محادثات تدريجية لن تجمع حتّى بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الغرفة عينها. ساعد نتنياهو متأخراً في هذا المسار عبر الموافقة على تجميد المستوطنات بشكل جزئي ولفترة موقتة، لكن في ظل انقسام الفلسطينيين، وعدم استعداد إسرائيل لتقديم المزيد من التنازلات وتضاؤل قوة أوباما في ذلك الشهر، لا عجب أن الإدارة قرّرت التركيز على قضايا أخرى.مع ذلك، استنتج أوباما ومستشاروه حتى قبل انعقاد مؤتمر الأسبوع الفائت، بأنهم لا يستطيعون التحرر بكل بساطة من هذا الالتزام، ومن شأن انسحابهم أن يقنع المزيد من الناس حول العالم بأن الولايات المتحدة لم تكن يوماً جدية في المقام الأول. لكن الخطوة الوحيدة الملموسة التي يستطيع أوباما اتخاذها هي عبر زيادة الضغوط على إسرائيل لتخفيف حصارها على مواد البناء لتشييد مساكن للمشردين في غزة. تسمح إسرائيل بمرور الأغذية والأدوية فحسب، إنما ليس إمدادات البناء، مجادلةً بأن "حماس" قد تستعملها لبناء تعزيزات. وصفت كلينتون من قطر ما يحدث في غزة بـ"الأزمة الإنسانية"، لكنها أيضاً مشكلة سياسية عملية. فالعرب وغيرهم من المسلمين يشتعلون غضباً عند مشاهدة تقارير قناة "الجزيرة" المسائية حول معاناة الفلسطينيين، وفي المقابل، أوضحت إسرائيل أن "حماس" جلبت البؤس إلى غزة، لذا عليها اليوم إيجاد وسيلة للسماح بالمساعدة.على الولايات المتحدة أيضاً الدفاع قدماً عن حقوق الإنسان في مصر وغيرها من الدول الاستبدادية في العالم الإسلامي، ويُذكَر أن أوباما اتّخذ منحىً مختلفاً بعيداً عن حماسة إدارة بوش المندفعة إنما العقيمة في أغلب الأحيان للترويج للديمقراطية، فكان لذلك التحوّل عاقبة غير مرجوة، إذ بات مسلمون كثر يعتقدون أن أوباما نسي أمر حقوقهم كبشر على حد سواء.في العام الماضي، حاول أوباما بذل جهود كثيرة في الخارج وفي الولايات المتحدة في آن، وقد أفرط في تقدير الإنجازات التي قد يحققها بفضل سلطته وجاذبيته. واليوم، كما محلياً، أُجبر على خفض طموحاته والتطلّع نحو أهداف أقل، لكن الأهداف المحلية قد تؤُجّل في بعض الأحيان، بينما حل الصراعات العاتية في الشرق الأوسط لا يحتمل التأجيل.* دويل ماكمانوس | Doyle McManus