لا أعتقد أن أحداً ينكر أن الحساسية بين شرائح المجتمع الكويتي كحضر وبدو أو كسنّة وشيعة قد زادت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ حتى تحولت إلى ظاهرة مؤرقة، وما الدعوات المتكررة من الحكماء والعقلاء إلى المحافظة على الوحدة الوطنية وعدم جواز المساس بها إلا دليل على تفشي هذه الظاهرة وشيوعها. إذا كانت ظاهرة التنابز بالأصول بدأت من قبل بعض الحمقى والمتعصبين فإنها امتدت مع الأسف الشديد لتشمل حتى المثقفين والأكاديميين، وليس أدل على ذلك من كلام د. عبدالله النفيسي في إحدى الندوات عن أن "المهري جاي للكويت سباحة"، وكان ذلك في معرض رده على انتقاد السيد المهري لدعوته الكويت وقطر والبحرين والإمارات للانضمام إلى السعودية.
من حق د. النفيسي أن يبدي وجهة نظره حتى لو اختلف الجميع معه، ومن حق السيد المهري أن ينتقده على وجهة نظره، ولكن لا داعي لتشكيك أي طرف بولاء الطرف الآخر، فيكفي لمن يشك في تزايد الحساسية الطائفية في المجتمع الكويتي أن يقرأ ردود الأفعال التي تكتب على صفحات بعض مواقع الإنترنت الإخبارية تعليقاً على مقالة كاتبها من هذه الطائفة أو تلك، حيث يترك المعلقون الفكرة التي يطرحها الكاتب ويتوجهون له شخصياً بالذم والتجريح، أقول يكفي ذلك لندرك المأزق الذي نحن فيه.إلى جانب الحساسية الطائفية المتفشية هناك حساسية من نوع آخر بين الحضر والبدو تظهر تحت مسميات عدة، فهي تظهر مرة تحت مسمى تقسيم الكويت إلى مناطق داخلية حضرية ومناطق خارجية بدوية، ومرة أخرى تطل برأسها تحت مسمى عيال بطنها وعيال ظهرها، ومرة ثالثة تحت مسمى المزدوجين والأصلاء، وهلم جرا.من يسمع هذه التقسيمات قد يتصور أن شعب الكويت يبلغ عشرات الملايين، ولا يدري أن عدد المواطنين لا يكاد يتجاوز المليون نسمة، فالكل يعلم أن أرض الكويت بما حباها الله من نعم كثيرة كانت مسرحا لهجرة سكانها من الدول المجاورة لها، وبالتالي ليس لأحد أن يدعي أنه الوحيد النبت الأصيل في الكويت، بينما غيره "طراثيث"، فالكويتيون جميعاً بغض النظر عن أصولهم وأحسابهم وأنسابهم سواسية أمام القانون، وللجميع نفس الحقوق وعليهم الواجبات نفسها.لا يصح أنه كلما حدث اختلاف في وجهات النظر بين اثنين أن يفتح كل طرف منهما أصل وفصل الطرف الآخر، ويتساءل كيف وصل إلى الكويت وأين كان قبل ذلك، وما مهنة أجداده، وعما إذا كان "ولد حمولة" أو "بيسري" أو غير ذلك من الأمور، ولا يجوز على رأي المثل اللبناني أنه "كلما دق الكوز بالجرة" أن نعود إلى الجاهلية الأولى، في حين أن رسولنا الكريم الذي ندعي الاقتداء به يؤكد أن "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، ويكفى لمعرفة قبح هذا التصرف أن الله أفرد سورة التكاثر لذم ظاهرة التنابز والتفاخر بالأنساب والأحساب. هذا بالطبع لا يعني ألا يعتز الإنسان بأصوله، فهذا حق له، ولكن ما لا يحق لأحد هو أن يتعصب الإنسان لقومه أو قبيلته أو طائفته، وفي ذلك يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين "ليس من العصبية أن يحب المرء قومه، ولكن العصبية أن يرى شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين".تعليق: أعضاء مجلس الأمة أصبحوا متطرفين إما في استهداف الشيخ ناصر المحمد بكثرة الاستجوابات، وإما في الدفاع عنه إلى حد الموافقة على سرية مناقشة الاستجوابات خوفاً عليه من التجريح، وإلا ما الأمور التي تستدعي السرية في استجواب الطاحوس عن تلوث البيئة. فبين التأزيميين والانبطاحيين أضاع المجلس المشيتين؟!
مقالات
الغزو التركي
15-06-2010