لننظر إلى أمر «الزي الوطني» من زاوية موضوعية، ولنكف عن إدخال المسألة في أنفاق الخلافات الإيديولوجية، وحين لا يتقيد أحد من الناس بهذه القاعدة الاجتماعية البسيطة المتماشية مع الذوق والأدبيات البدهية، سيصبح من اللازم وجود لائحة تنظم الأمر.

Ad

أعتقد أنه لو كان من تقدم بمشروع قانون الزي الوطني نائبا آخر غير الطبطبائي لما أثار الأمر كل هذا الصخب في صفوف التيار الليبرالي على وجه الخصوص، والحقيقة ألا غرابة كبيرة في الأمر هذه الأيام، فكل ما يخرج وسيخرج من الإسلاميين سيكون في نظر مخالفيهم من قبيل التزمّت والتخلّف ومحاولة فرض الوصاية الدينية، وفي المقابل، فكل ما يخرج وسيخرج من الليبراليين سيكون في نظر مخالفيهم من قبيل الانحلال والانفلات وربما المروق من الدين.

لا بأس، هذه هي الحال، فلنعد إلى موضوع المقال: مشروع قانون الزي الوطني، ولننس لبضع دقائق ولأغراض هذا المقال أن مقدم المشروع هو د. وليد الطبطبائي النائب السلفي، ولننس كذلك جزئية «الزي الوطني»، التي يبدو أنها قد سببت إشكالا عند البعض أيضا، ولنسأل: هل توجد لدينا مشكلة في موضوع اللباس في الدوائر الرسمية ومؤسسات الدولة؟ أنا سأجيب قائلا نعم لدينا، ودليلي على ذلك هو زيارة واحدة من أي منا إلى أي دائرة حكومية حيث سيرى فيها العجب العجاب، من رجال صاروا لا يتورعون حتى عن ارتداء الشورت ونعال «الزنوبة» في هذه الأماكن، ومن نساء يخرجن عن كل معقول ومقبول سواء على صعيد الملبس أو حتى المكياج.

إذن فبالفعل لدينا مشكلة، أو لنقل لدينا أمر مجتمعي يستحق الانتباه ولا داعي للمكابرة، والدكتور الطبطبائي استشعر هذا وتقدم بمشروعه وفقا لرؤيته واجتهاده وفلسفته، وهذا حقه النيابي، فأين المشكلة؟ في رأيي أنها لا توجد، وليقل له من لم يعجبه المشروع بأنه يختلف معه على صعيد أسلوب المعالجة، ولكن ليبق الاتفاق على أصل المسألة، ولنبدأ بالتفكير، سواء بشكل جماعي أو فردي، بأسلوب المعالجة.

وبالمناسبة، إن مسألة الزي الوطني ليست نابعة دائما من منطق الوصاية الدينية، كما يزعم البعض في خضم تصديهم لمشروع الطبطبائي، فهناك دول خليجية بعيدة جدا عن الاستجابة للضاغط الديني، تطبق قواعد اللباس الوطني في مؤسساتها الرسمية منذ سنوات، كدبي على سبيل المثال.

لننظر إلى الأمر يا سادتي من زاوية مهنية بحتة، ولنأخذ واحدة من التجارب القريبة المتاحة، وهي تجربة البنوك على سبيل المثال. سيشعر من يدخل البنوك ومن الوهلة الأولى بأن هناك لائحة ما للباس والهيئة، على الرغم من أن فيها من الموظفين من يرتدي الدشداشة ومن يرتدي البنطلون، ومن الموظفات من هي محجبة ومن هي غير محجبة، فإنه يبقى واضحا جدا أن هناك توجيها مهنيا يرشد الموظفين والموظفات إلى ما يصح ارتداؤه وما لا يصح، وذلك انطلاقا من فكرة جوهرية وهي أن هؤلاء العاملين في مجموعهم هم واجهة هذه المؤسسات في نهاية المطاف، ومن حق هذه المؤسسات أن تحافظ على مهنية ورقي واجهتها، وبالمثل كذلك كثير من المؤسسات المحترفة الأخرى، وليس في الأمر أي وصاية، لا دينية ولا غيرها، إنما هو تنظيم مهني معمول به في كل المؤسسات العالمية التي تهتم بتفاصيلها وتحترم مشاعر المتعاملين معها.

لننظر إلى الأمر من هذه الزاوية الموضوعية، ولنكف عن إدخال المسألة في أنفاق الخلافات الإيديولوجية، فكلنا يعرف أن لباس العمل للعمل، ولباس السوق للسوق، ولباس الحفلة للحفلة، ولباس البيت للبيت، وحين لا يتقيد أحد من الناس بهذه القاعدة الاجتماعية البسيطة المتماشية مع الذوق والأدبيات البدهية، سيصبح من اللازم وجود لائحة تنظم الأمر.