لم يتحدث عربيٌّ واحد عن أي خطوة تطبيعية مع إسرائيل قبل وقف الاستيطان وتحديد حدود الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، وكل ما قيل خلاف هذا مجرد أوهام روَّج لها إمّا تجار الشعارات الفارغة وأصحاب المواقف العدمية الجامدة، أو الذين لا يعرفون "الخـَمْس من الطّمْس" وليس لهم علاقة بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد، خصوصاً أن الأمر يتعلق بقضية شديدة التعقيد والتداخل كأزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.
حتى الولايات المتحدة لم تطلب تطبيعاً بخطوات رمزية محدودة بلا ثمن، ولعل ما لا يعرفه كثيرون أن الموفد الأميركي جورج ميتشيل أبلغ بنيامين نتنياهو وحكومته أنه عندما يطالب الفلسطينيون بوقف الاستيطان قبل استئناف مفاوضات عملية السلام، فإنهم لا يسعون إلى إملاء شروط مسبقة، بل إنهم يطالبون بتنفيذ بند رئيسي من بنود خارطة الطريق التي وافقت عليها حكومة إسرائيلية سابقة. الآن، هناك عمل دؤوب تقوم به الولايات المتحدة لأول مرة لإنهاء هذا الصراع، الذي هو أقدم صراع عرفه التاريخ، وهذا يتطلب أن يكون العرب متعاونين وأن تتوخى وسائل الإعلام العربية الدقة وألَّا تقوِّل الناس ما لم يقولوه، فـ"التطبيع" بلا ثمن غير مطروح على الإطلاق، وكل العرب الذين يتعاطون مع هذه القضية عن قرب، يصرّون على وقف الاستيطان بكل أشكاله وتحديد حدود الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، قبل القيام بأي خطوة تطبيعية من قبيل إظهار حسن النوايا. حتى محمود عباس (أبو مازن) الذي تتهمه "حماس" بالتفريط، وتطالبه بتصحيح مسار منظمة التحرير، لم يتخلَّ ولو قيد أنملة، كما يقال، عن كل ما بقي يتمسك به ياسر عرفات (أبو عمار) حتى لحظة وفاته، ولعل ما يؤكد هذا خطابه أمام مؤتمر "فتح" أمس الأول، الذي جدد فيه التمسك بكل ما يعتبر ثوابت فلسطينية غير قابلة للمساومة والتنازل من حدود الدولة المستقلة المنشودة، إلى القدس، إلى المياه، إلى قضية اللاجئين وحق العودة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 194. إن المتوقع أن يعلن باراك أوباما خطته أو مبادرته الموعودة قريباً، والتي ستطالب العرب والإسرائيليين على حدٍّ سواء بخطوات حسن نوايا متزامنة ومتدرجة، لهذا عندما تكون هناك مطالبة للدول العربية، المعنية على الأقل، بأن تكون جاهزة ومستعدة، فإن هذا يجب ألَّا يُفهم على أنه ترويج لـ"التطبيع" بلا ثمن، فالأمور في هذا المجال واضحة وضوح الشمس، والمطلوب مساندة الرئيس الأميركي ودعمه ليمضي في ما هو مصمِّم على المُضي فيه. مرة أُخرى... على الدول العربية، المعنية على الأقل، أن تدرك حجم الضغوطات التي يتعرض لها باراك أوباما، وتتعرض لها إدارته، من قبل مجموعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة، وأن تبادر قبل فوات الأوان الى كل ما يعزز صمود الرئيس الأميركي في وجه هذه الضغوطات الهائلة التي جندت لها إسرائيل عدداً كبيراً من ذوي الخبرات في الشؤون الأميركية، على رأسهم إيهود أولمرت الذي اختير لهذه المهمة، لأن الانطباع السائد عنه في أوساط الأميركيين أنه رجل سلام وأنه ضد القوى والأحزاب الإسرائيلية اليمينية. كاتب وسياسي أردني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
مقالات
لا تطبيع بلا ثمن!
06-08-2009