الانتقال في المكان، يتبعه تغيير في حركة الزمن، لذا حين يسافر أحدنا، ولحظة يختلي بنفسه مسترجعاً الأحداث الأخيرة قبل سفره، تبدو له في الغالب بعيدة، أبعد من زمن حصولها. ومرد ذلك هو أن البعد في المكان يضفي بعداً إضافياً وموازياً على الزمن. لذا فإن السفر، وبقدر ما هو انتقال واضح في المكان، هو في حقيقة الأمر، حركة في الزمن، وربما هذا هو الأهم. لذا فأيام قليلة في سفرة قصيرة ممتلئة بأحداثها، قد تبدو كأنها كانت أطول بكثير من حقيقتها. ودائماً كان هذا شأن سفري مع الصديق العزيز الروائي إسماعيل الفهد.

Ad

لسنوات طويلة، جمعتنا سفرات كثيرة معاً: الروائي إسماعيل الفهد والأديبة ليلى العثمان وأنا، ولقد ربطتنا تلك السفرات برابط متين من الصداقة الحميمة، وأتاحت لنا معرفة متجددة ورائعة بخصال بعضنا ببعض، وزادت من تأكيد تقاربنا الإنساني والفكري والأدبي، وخبرتنا في تجربة الحياة. وتركت في قلوبنا ذكريات كثيرة مورقة وحاضرة، وقدمتنا للآخر، العربي والأجنبي، كوجه من وجوه الإبداع القصصي والروائي والثقافي في الكويت.

في الأسبوع الماضي، سافرت والصديق إسماعيل الفهد إلى بيروت، لحضور لقاء تلفزيوني مع قناة الحرة في برنامج «قريب جداً»، الذي يديره الشاعر جوزيف عيساوي، وذلك للاحتفاء بعالم إسماعيل الفهد الروائي والإنساني، وتسليط الضوء على تجربته الخصبة والطويلة مع الكتابة والحياة.

حوالي (48) ساعة قضيناها في بيروت، لكنها كانت مليئة بلقاءات الأحبة والأصدقاء، وشراء الكتب، وزيارة محترف الفنان جميل ملاعب، في قريته الجميلة «بيصور»، وحضور افتتاح معرض الفنان التشكيلي، رياض نعمة، في مسرح بابل، والسهر مع مسرحية «فيفا لاديفا» التي كتبتها الروائية هدى بركات، وأخرجها نبيل الأظن، ومثلتها باقتدار الفنانة الرائعة رندة الأسمر.

كنت استشعر وجيب الوقت الجميل من حولنا، في بيروت الجميلة والمتجددة، وكنا إسماعيل الفهد وأنا، نعتصر اللحظة حتى آخر نقطة، نعيد بعث حكاياتنا وقصصنا وذكرياتنا، ونحرث في تربة اللحظة لبذر قصص جديدة، وكما في كل مرة نختلي معاً، يكشف إسماعيل عن روحه الطيبة ومعدن قلبه النابض بالحب. ومعاً نبحر في آمالنا ومشاريعنا الكتابية القادمة. يتحدث إسماعيل بعفويته، مستحضراً عالمه الإنساني والإبداعي الغني، واستمع أنا مستمتعاً بصحبة سفر لا تُمل.

إن العالم الإبداعي لأي قاص أو روائي أو شاعر أو فنان، هو بالضرورة جزء لا يتجزأ من عالمه الحقيقي الواقعي، وبالتالي فإن اقتراباً واختلاطاً بالمبدع، وكشفاً لمفردات حياته في لحظات تجليه وصدقه وبوحه، هو إبحار في عالمه الإبداعي، ووقوف على مفردات قناعاته الإنسانية التي تتجلى في صياغته لعالمه الفني والأدبي. إسماعيل الفهد، في كل مراحل حياته كان مهموماً بحياة وكرامة الإنسان من جهة، وكان مدمن قراءة وبحث ومغامرة كتابة من جهة ثانية، وما بين الإنسان والقراءة ومغامرة الكتابة، حياة طويلة وحافلة، تستحق الاحترام والتقدير!