ليس من حقنا معارضة حق النائب خالد الطاحوس في تقديم استجوابه لرئيس الوزراء، بزعم أن للرجل أجندات سياسية خفية، أو أنه يتكسب من القضية انتخابياً ويريد إحراج النواب الآخرين، وغير هذا من الأقاويل التي لا يمكن أن تستند إلى دليل ملموس، لكونها لا تقوم إلا على الظنون، لأن هذا ليس من الموضوعية في شيء. بل إن للنائب الطاحوس، كل الحق في استجواب أي وزير وصولاً إلى رئيس الوزراء متى ما شاء، وهو في النهاية من سيحصد ثمار استجوابه الذي سيزرع، فإن كان سيصل إلى نتيجة فبها، وإن لم يصل فلن يختلف الأمر حينها عن كثير من الاستجوابات التي سبقت.

Ad

في ظني أن من الأجدر، ونحن اليوم نتعامل مع قضية حقيقية ألا وهي قضية التلوث في ضاحية «أم الهيمان»، والتي لا أظن أن أحداً، سواء من الواقفين مع الاستجواب أو ضده، يكابر على كونها قضية حقيقية، أقول إن من الأجدر أن ننظر إلى القضية بذاتها، لا إلى من هو النائب الواقف خلف الاستجواب المقدم.

من الزاوية التي أنظر عبرها، ولعلي قد ألمحت بهذا إلى الأخ المهندس أحمد الشريع (لجنة «أم الهيمان» البيئية الشعبية)، فلست متحمساً كثيرا لخيار استجواب رئيس الوزراء. أقول هذا بالرغم من إيماني التام بأن القضية هي قضية ملحة وباقتدار، ومن قناعتي بأن الحكومة وطوال السنوات الماضية لم تبد أي جدية في التعامل معها.

ممارستنا السياسية تقوم- وإن كان خطأً فإنه واقع وللأسف- على فكرة أن الاستجوابات هي نهاية المطاف والطلقة الأخيرة في كل قضية سياسية يتم طرحها، وعندما يفشل الاستجواب في الوصول إلى طرح الثقة، فإن القضية تخسر غالب رصيدها الشعبي إن لم يكن كله، ناهيك عن كونها وبالطبع ستخسر تفاعل الحكومة وتعاطيها مع المسألة، ولا أدل على هذا من عشرات الاستجوابات التي فشلت في السابق، فضاعت قضاياها من الذاكرة الشعبية ومن الرصيد النيابي «المعارض»، إلى درجة أن صار مجرد التطرق إليها باهتاً وبارداً، فإن كان هذا هو الواقع، فما بالكم اليوم باستجواب رئيس الوزراء على خلفية تلوث «أم الهيمان»، وهو الاستجواب الذي تكشفت معارضته النيابية والشعبية والإعلامية الواسعة، وصولاً إلى أن حكم عليه البعض بأنه قد ولد ميتا!

قضية تلوث «أم الهيمان» قضية حقيقية وتستحق الاهتمام والحل العاجل ولا شك، لكن إيصالها إلى التصادم باستجواب رئيس الوزراء في ظل هذه الظروف المائلة لمصلحة كفة الحكومة من حيث إحكام سيطرتها على النواب، كانت خطوة مستعجلة وحرقا لكثير من المراحل العملية التي كانت لاتزال في الجعبة، وهي خطوة ستحرق القضية، في ظني، وقد تودي بها إلى الموت كما كانت الحال مع كل القضايا الأخرى التي وصلت إلى محطة الاستجواب. كان من الأجدر أن تظل ورقة «الاستجواب» ورقة ضغط سياسية يلوح بها، تجري تحتها التحركات الشعبية والنيابية الضاغطة لدفع القضية نحو الحل، كمثل ذلك الاعتصام الطلابي الذي جرى منذ مدة في «أم الهيمان» وكان له أثر كبير في تنبيه الشارع والضغط على الحكومة وإحراجها بعض الشيء.

لست متفائلا بما سيؤول إليه الاستجواب، حيث أعتقد أنه سيفشل، ولكنني أرجو ألا يكون ذلك بمنزلة شهادة وفاة لهذه القضية المظلومة في كل مراحلها.